خطبة إرتجلها مؤبناً الوزير السرياني العراقي رفائيل بطي

أضف رد جديد
تلميذ المطران
مدير الموقع
مدير الموقع
مشاركات: 57
اشترك في: الخميس إبريل 28, 2011 3:38 am

خطبة إرتجلها مؤبناً الوزير السرياني العراقي رفائيل بطي

مشاركة بواسطة تلميذ المطران » الجمعة مايو 06, 2011 2:22 am

الخطبة التي إرتجلها
مؤبناً الوزير السرياني العراقي
رفائيل بطي
صورة

أيها السادة
لقد مات رفائيل ......
لقد انطفأ السراج , وفيه زيت كثير , وتصوَّح الأقحوان , وهو مليء بالشذى والعبير , بلى , بلى , لقد جفَّ اليراع , ولا زال يندفعُ منه ذياك الصرير , وصمت البلبل الغريد , وفي قلبهِ ألف قافية , وألف نشيد , أجل ... أجل , لقد مات .. واحسرتاه رفائيل .
المعركة الطاحنة بين الموت والحياة , قديمة , قدم الموت والحياة , فمنذ انبجست الحياة من قلب الأزل , والموت واقف لها بالمرصاد , يريد إعادتها إلى ضمير العدم , وهي تندفع صعداً , وتتألق توهجاً , وفي كل يوم تسجل إنتصاراً جديداً . وتُرصع في ضمير السرمدية , جهاداً موفقاً مجيداً , وترفعُ أعلامها الخفاقة على هامة الموت , رافعة إلى الملأ الأعلى إعصاراً شديداً . والموت يعيدُ الكرة بعد الكرة حملاته الفتاكة , لينال من صميم الحياة فتراها أبداً بين الكرِّ والفر , ويتقاسمان هذا الوجود . فيأخذ كل منهما ما هو لهُ , ياخذ الموت ما فيه سر الفناء , وتستبقي الحياة ما فيه قوة البقاء , إذاً ما هو نصيب الموت من فقيدنا الكريم ؟ .. وماذا بقي فيه من نصيب الحياة ؟ .
وإنه مسجى أمامنا .. فوالوعتاه , ولا زال يخطب فينا , ويكتب . لقد أخذ الموت جزءَهُ الترابي , ليضمه إلى أمه الأرض , واستبقت لنا منه الحياة درره الغوالي , وهذه بنت الخلود .
أجل ! ... إنه مسجى أمامنا وحوله هالة من الهيبة والجلال , بل هالة من الوفاء والقدسية والكمال , بل أشعة متوهجة , هي بقايا الكفاح والتألق والنضال , إنه اليوم وفي هذه اللحظة الرهيبة . أخطب منه بالأمس ! بل هو أكتب ! مما كان عليه منذ عهد بعيد .
فخشوعاً .... خشوعاً أيها الأحياء أمام رهبة الموت .
وهدوءً أيتها العواصف الهوج أمام هيبة السكون .
أجل ... ! مات في رفائيل جزءه الفاني , وبقيت لنا منه أجزاءه الخالدة ذخراً كريماً , وتراثاً من العبقرية جليلاً , فإذا وقفنا أمام جثمانه الكريم وهو في لحظاته الأخيرة بيننا , فإننا نقف أمام عاصفةٍ هدأت , وزوبعةٍ من النور خبت , وجدولٍ هدار توقف عن الجريان , فالدموع جفت أمام هول الكارثة , وخفقات القلوب تضاءلت أمام عنف المصيبة , وليس لنا إلا أن نرفع عيوننا إلى جهاده .
الجهاد صفة من صفات الأبطال , ولا يكون الجهاد موفقاً إلا إذا إرتكز على ثلاث دعائم كبرى , الإيمان والشجاعة والإخلاص .
أما الإيمان فهو الركن الأساسي لكل جهادٍ في الحياة , لأنك إن لم تؤمن بالمبدأ الذي تدين به , لا تندفع إلى الجهاد في سبيل نصرته , والشجاعة عندما تنضم إلى الإيمان , تكون وإياها عاصفة جبارة تكتسح أمامها جميع الصعاب التي تعترض المجاهدين المؤمنين . وكلما إتحدَّ الإيمان بالشجاعة , تولد من إتحادهما الإخلاص وهكذا نبني صروح الجهاد على هذه الدعائم الكبرى لها , ونال المجاهدون فيها إكليل الظفر والفخار , وإذا وضعنا فقيدنا على محك هذه النظرية , رأينا بحق جهاده المثمر يقوم على هذه الدعائم , منذ مطلعه إلى لحظة غروبه , فلننظر إذن أولاً إلى رفائيل المؤمن , ثانياً رفائيل الشجاع , ثالثاً رفائيل المخلص .

وبعد أن تحدث سيادة المطران بولس بهنام مفصلاً عن موقف رفائيل من هذه القضايا الثلاث , إختتم خطابه بهذه الرائعة الجميلة الهفهافة :
أيها العراق العزيز ... يا أبا الأمجاد والحكماء , والفلاسفة الكبار , يا موطن العباقرة الأشاوس الأحرار , يا موئل الشهداء الأبرار , ضم إلى قلبك العظيم , حكيماً جديداً وفيلسوفاً حراً بل شهيداً , بطلاً أبّر , إنه إبنك البار ووليدك المخلص المغوار , عاش لك , ومات موت الشهداء في سبيلك .
إيه بغداد ......
يا عاصمة الرشيد .... غيّبي بين طيات فؤادك , عبقرياً جديداً , ومجاهداً حراً , وسجلي إسمه الكريم بين أبطالك المناضلين المجاهدين .
في ذمة الخلود ... يا رفائيل المؤمن .
في ذمة الأبدية ... يا رفائيل الشجاع .
في ذمة الملأ الأعلى .. يا رفائيل المخلص , ورحمات الله عليك , يا منْ كنت إيماناً وشجاعةً وإخلاصاً في إنسانٍ كامل .
( هكذا وردت الجملة الأخيرة في جريدة البلاد ) .
رحمات الله عليك , ولك منا الدموع , يا منْ لم تبكِ في أعظم ضيقاتك , ولك منا الحب الخالد , يا منْ كنت حباً خالداً لوطنك وبلادك ... عاش العراق الحبيب .
صورة نقلاً عن كتاب
حياة الملفان مار غريغوريوس بولس بهنام
للأب يوسف سعيد
الرجل العظيم لا يعيش إلا وقتاً يسيراً
غير أنه يترك في الحياة دوياً هائلاً لا يستطيع الموت أن يخففه ،
ويبقى لأبناء قومه نفيساً من المجد و السؤدد لا يستطيع البلى أن يأتي عليه
الملفان مار غريغوريوس
بولس بهنام

أضف رد جديد