الجزء الثاني من حياة الملفان بولس بهنام المفقودة بين طيات الزمان

أضف رد جديد
تلميذة المطران
مراقب عام
مراقب عام
مشاركات: 114
اشترك في: الخميس إبريل 28, 2011 11:53 am

الجزء الثاني من حياة الملفان بولس بهنام المفقودة بين طيات الزمان

مشاركة بواسطة تلميذة المطران » الخميس مايو 05, 2011 12:55 am

" الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ : لَيْسَ أَحَدٌ تَرَكَ بَيْتًا أَوْ إِخْوَةً أَوْ أَخَوَاتٍ أَوْ أَبًا أَوْ أُمًّا أَوِ امْرَأَةً أَوْ أَوْلاَدًا أَوْ حُقُولاً، لأَجْلِي وَلأَجْلِ الإِنْجِيلِ،
إِلاَّ وَيَأْخُذُ مِئَةَ ضِعْفٍ الآنَ فِي هذَا الزَّمَانِ..."
مرقس :10 : 29 - 30
صورة 3 ـ ترهبه في دير مار متى

لا تترك يديَّ قارئي العزيز ... ودعنا نتسلق جبل " ألفاف " ... سوف آخذك معي من الطريق الوعرة هلم ، فـ ( سركيس الصغير ) قد سبقنا إلى هناك ، ، وهو يتسلق هذا الجبل الأشم ، ماسكا يمين والده ، وقدماه الجميلتان تعرجان ذات اليمين وذات اليسار ، ناظراً إلى فوق حيث الدير العظيم بادياً كتاج جميل مرصع بألوف الأحجار وأغلى الدرر . وشفيعه الطوباوي " مار متى " يلوح له بيديه النيرتين ليضمه إلى تاجه النفيس ، حجراً ثميناً من حجار الدير الراسخة فيه أبدا .. وما أن بلغ قمة الجبل حتى ترك يد والده ودخل الدير وفي عينيه شوق وحنين إلى (أخدار الخالدين)
حيث تختلط رائحة البخور مع نفوس القديسين ، ثم أخذ ينظر حوله ، فها هو بيته وهنا يجب أن يكون ، كيف لا ومعلمه " الكبير " علاّمة كنيستنا السريانية مار غريغوريوس ابن العبري الذائع الصيت يرقد هناك ؟ !! أما والده ، فأستعد للعودة ، وقبل أن يغادر الدير ، التفت إلى فتاه الحبيب ، وضمه بشدة إلى صدره مردداً بصوت متقطع تخنقه العبرات : " أحقا يا ولدي تريد المكوث هنا ؟ " .. تحجرت الدموع في عيني علاّمتنا الصغير ، ومدَّ يده المباركة ليوقف دمعة كادت تقفز من عينيه ، فتحطم فؤاد والده المسكين .. فطمأنه قائلا : " لا تقلق يا أبي . وطمئن والدتي الحبيبة ، فإنني أشعر وكأنني وهذا المكان رفيقان درب واحدة .
درس في مدرسة الدير العلوم البيعية والطقسية ، إضافة إلى اللغة السريانية والعربية والانكليزية . وفي سنة 1935م ، أخبروا ذويه أن سركيس لا ينوي مغادرة الدير بل يرغب أن يدخل في سلك الرهبنة ودعوهم إلى حفلة الرسامة ، فحضروا قبلها بثلاثة أيام ، وراحت والدته تبكي وتطلب إليه خلال هذه الأيام الثلاثة أن يعدل عن قراره هذا ويعود معهم ، لكنه تمسك برأيه ، فهو أختار أن يسلك في خطى الفادي الحبيب .

"مَنْ أَحَبَّ أَبًا أَوْ أُمًّا أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي، وَمَنْ أَحَبَّ ابْنًا أَوِ ابْنَةً أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي ."( مت 10 : 37 ).
فوشحه بالإسكيم ألرهباني المطران يوحنا السادس المنصوراتي ،وأختار لنفسه اسم "بولس" تيمنا برسول الأمم ، وهو أيضاً أسم جده لوالده . وهكذا أنصرف إلى القراءة واستنساخ الكتب منها كتاب العلاّمة ابن العبري "الأشعة " و لا يزال في مكتبة الدير نسخه بخط يده ، إضافةً إلى ترجمته لبعض الكتب من السريانية إلى العربية كذلك جمع مواضيع من كتب الأباء السريان والأقباط وهو ما يعرف بـ "الكناش" .
كان طوال إقامته في الدير مواظباً على القراءة ، وكتابة بعض الأشعار إضافة إلى قطع نثرية متفرقة .
كان الراهب بولس يذهب إلى قريته أحياناً لزيارة أهله هناك ، وفي إحداهن سأله والده مازحا : " يا بني كل تلميذ أمَّ دير مار متى عاد إلى والده بعكاز صنعه بنفسه من خشب الشجر الجميل ، تذكاراً من هذا الدير المقدس .. فلِما يا ولدي لم تصنع لي واحداً مثلهم ؟ " . فأطرق الراهب اللوذعي هنيهة وأجاب : " لأنني يا أبتي الحبيب ، أعد لك عكازاً قوياً تستند عليه العمر كله .. " فصمت والده ، وهو لا يفقه وقتها المغزى العميق الذي يحمله هذا الرد من طالب الإكليريكية ذو الذكاء المتوقد .
وفي يوم من أيام الشتاء القارص ، مرض ، فأبلغوا ذويه , أن المرض تمادى لدى راهبنا الحبيب ، وقَدِمَ والده إلى الدير ليطمئن على صحته ، فرأى أن الإكليريكيين يأكلون طعاماً متواضعاً جداً ، فقال له : " يا بني نحن هناك نأكل كل ما لذ وطاب وأنت هنا تأكل هذا ؟ نحن نملك أراضي وأغنام ، وليس لدينا أولاد سوى أنت وأخاك وأختك فلمن ستكون ؟؟ " أجابه يا أبتي الحبيب لم آتي هنا لأكل ..

( "لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللهِ" ـ مت 4 :4 ) .

في عام 1937م قصد الدير قداسة البطريرك مار إغناطيوس أفرام الأول برصوم ، عطر الله روحه ، ومكث هناك بضعة أيام ، لفت نظره راهب شاب ، تلمع في ناظريه أشعة اللوذعية ، والطهر والقداسة ، وفي هدوئه ، تراتيل وأناشيد وبخور وأطياب تنبعث من نفسه المعطرة بشذى الفضيلة ... فأثار فضول قديسنا البطريرك العظيم ، وسأل : " من ذلك الراهب القصير القامة ، والذي أراه فقط في أوقات الصلاة ، ومواعيد الوجبات ؟؟ " أجابوه انه الراهب بولس بهنام . فطلب إليهم أن يصطحبوه إلى قلايته .. ولدى وصول قداسته ، رأى راهباً في ريعان الشباب يجلس أرضا يقرأ ، محاطا بكتب القديسين ، وسير الشهداء ، وأخرى لاهوتية وتاريخية ، فنظر إليه نظرة أب حنون ماداً يداً نورانية إلى كتفه الغض .. فانحنى الراهب بولس لاثماً يد قداسته ، في نظراته يمتزج الخجل ، والألمعية ... مستعجبا : " ما الذي حمل قداسة البطريرك لزيارة " صومعته المتواضعة "؟؟؟ ... كيف لا وهو في حضرة العلامة القديس مار أفرام الأول ؟؟!! فأستطرد بطريركنا الجليل : " قم يا بني فمكانك ليس ها هنا .." .. فأمر البطريرك باصطحابه إلى الموصل ، ليلتقطوا له صورا شخصية ، فيستخرج البطريرك جواز سفر ، ليصطحبه معه إلى مدينة حمص في سوريا حيث الكرسي ألبطريركي آنذاك ...

ولدير مار متى دالة خاصة في نفس راهبنا الحبيب فقد تفتحت قريحته الغنية بالطبيعة الخلابة ، والهواء العليل ، إذ كانت النسيمات تداعب مخيلته الخصبة ، فتردد في ذيالك الوادي السحيق ، نشيد الأناشيد تلعب على قيثارة داود ومزموره السرمدي العذب .


أحبائي تجدون في المرفقات الصورة الأولى هي ذاتها التي كانت على جواز سفره والأخرى عندما كان مديراً للإكليريكية والثالثة عندما عيّن نائباً بطريركياً لأبرشية الموصل وكذلك في المرفقات تجدون صورة عن إحدى أوراقه وقد سطر عليها بخط يده بعض الخواطر وهي مسودة في مقدمة تاريخ هذا الدير العظيم .



تابعونا أحبائي في مرحلة قادمة من حياة ملفاننا الحبيب
المرفقات
مور بولس بهنام ١٦ 3.jpeg
مور بولس بهنام ١٦ 3.jpeg (30.79 KiB) تمت المشاهدة 24761 مرةً
مور بولس بهنام ١٦.jpeg
مور بولس بهنام ١٦.jpeg (40.83 KiB) تمت المشاهدة 24761 مرةً
مور بولس بهنام ١٦ 1.jpeg
مور بولس بهنام ١٦ 1.jpeg (35.23 KiB) تمت المشاهدة 24761 مرةً

تلميذة المطران
مراقب عام
مراقب عام
مشاركات: 114
اشترك في: الخميس إبريل 28, 2011 11:53 am

Re: الجزء الثاني من حياة الملفان بولس بهنام المفقودة بين طيات الزمان

مشاركة بواسطة تلميذة المطران » الثلاثاء إبريل 24, 2012 2:22 pm

مقدمة بخط يده عن دير مار متى
المرفقات
paulos behnam a.jpg
paulos behnam a.jpg (223.6 KiB) تمت المشاهدة 24691 مرةً
paulos behnamb.jpg
paulos behnamb.jpg (188.77 KiB) تمت المشاهدة 24691 مرةً

أضف رد جديد