مار سيوريوس إسحق ساكا

أضف رد جديد
خمائل الريحان
مراقب عام
مراقب عام
مشاركات: 6
اشترك في: الأحد مايو 01, 2011 2:43 pm

مار سيوريوس إسحق ساكا

مشاركة بواسطة خمائل الريحان » الثلاثاء مايو 03, 2011 4:33 pm


صورة
مار سيوريوس إسحق ساكا
قال عن ملفاننا الكبير

كان يتدفق في الخطابة تدفق الينبوع الصافي ,
يتغنى كالبلبل الغريد ,
أتسم بصوت جهوري أخاذ وجمال الإلقاء ,
فصيح البيان , طلق اللسان , بارعاً , ساحراً ,
يضرب على العاطفة التي هي العرق الأساس في الإنسان ,
يثير لدى سامعيه القيم الجمالية فيخدر نفوسهم للاستماع والانفعال
بما يسمعونه لا بل يلعب بالعقول والقلوب معاً ,
حتى يكاد سامعه ينسى نفسه ويود لو طال وعظه أو خطابه .

يحتل المطران بولس على ساحة الفكر والثقافة مكانة خاصة متميزة , فقد برز في كل ميدان ونبغ في كل موضوع في اللاهوت والتاريخ والأدبين السرياني والعربي والفلسفة والمنطق وغيرها .جنى الثمار وقطف وقدّم للإنسانية في سلال ملأى من جميع أنواع الفاكهة ولدى مطالعة أثاره القلمية نستطيع أن نستنتج ما يلي :
-أولاً : أتقن اللغتين السريانية والعربية , وتمكن من فنونها وبلغ ناصية آدابهما فترك في كلتا اللغتين بحوثاً نظماَ ونثراً . وألم بالفرنسية , وكان في سني حياته الأخيرة سيّما بعد عودته من أميركا عام 1955 يتكلم ويعظ بالإنكليزية السهلة .
-ثانياً : كان له اطلاع عام على مختلف اضرب المعرفة , فكتب في معظمها كما سيأتي شرحه , ولكنه لم يختص بعلم معيّن , ولم يحدد موقفه بوضوح في هذا المجال أو بعبارة أخرى إنه لم يتعمق في أحدها تعمق أهل الاختصاص , ولكنه كان خصيب الفكر في جميعها لم يشك منه قحطا في فكر أو جدباً في معنى .
-ثالثاً : كان الأدب السرياني والتراث السرياني أعجب نواحي أفاقه العلمية , فقد أعطى لهذا النوع من الثقافة ما لم يعطه لغيره من أنواع الثقافة الأخرى , فقد دخل المعارك واتخذ المواقف كما سيأتي شرحه
-رابعاً : ترك ثروة قيمة من البحوث الأدبية والدينية والفلسفية والتاريخية تنبئ عن قدرته الفكرية وطاقاته المبدعة , وتقدر بقيمة كبيرة في ميزان الثقافة العالمية والسريانية , وأن هذا ما جعله خالداً في نفوس العلماء الذين يقدرون له هذا الإنتاج الفكري الذي يزيد في قيمة الثقافة الشرقية
-خامساً : تجلى استعداده للكتابة والتأليف بشكل خافت ومتكسر في دير مار متى (1929-1938 ) ثم أخذ يتضح ويشع في لبنان , زحلة ( 1939 – 1945 ) غير أن الأيام التي أقام فيها بالموصل , العراق 1945 – 1959 كانت من أخصب أيامه هي أيام الإنتاج والعطاء المتدفق , والحصاد الوفير
-المطران بولس واعظ مفوه : كانت مواقفه الخطابية من أبرز مقومات شهرته التي كانت في
اتساع وامتداد مذ كان مديراً لمعهد مار أفرام الإكليركي في الموصل فقد برز خطيباً مفوّهاً
ذاع صيته وطبقت شهرته معظم الأبرشيات السريانية والمحافل الثقافية في البلاد العربية
في سوريا والعراق والأردن , كان يمزج سمة أدبية فنية إلى جانب الفكر الديني تشف عن بيان
رائق العبارة , يتسلل إلى النفس هيناً ليّناً يبث فيها المشهيات والمغريات .
- الدراسات السريانية : تناول دراسة التراث السرياني بالتحليل والنقاش وانفرد بهذا دون غيره فلم يسبقه أحد في هذا المضمار وما جاراه إنسان في هذا الميدان , فهو أول من بدأ باستعراض الفكر السرياني أدباً وفلسفة وعلوماً بالنقد والتحليل وهذه توصلنا إلى الأمور التالية :
أولاً : لقد جلا المطران بولس الخطوط العريضة لتفكيره الحر , وأعلن بوضوح عن منهجه العلمي
في البحث , وبذلك يظهر على مسرح السريانيات شخصية مستقلة واضحة متميزة , ويمثل
مجهوداً كبيراً وصورة من العناية الفائقة بالتراث السرياني ظفر منه ببحوث عديدة .
ثانياً : أحدث في السريانيات منعطفاً جديداً بالنسبة لتطور العلوم السريانية , وهذا مكسب جديد
حققّه للثقافة السريانية من حيث القيمة الحضارية ودفعها خطوات إلى الأمام .
ثالثاً : كان همه الوحيد وغايته القصوى أن يبرز ما في الفلسفة والأدب من مواقف السمو
والروحانية المتألقة هذا من جهة , ومن جهة أخرى أراد أن يضع أعلام السريان في مصاف
أعلام المشرق والمغرب , بعد موازنة بين الحضارة السريانية وغيرها وبين مفكري
السريان وبين أمثالهم في الشرق والغرب .
رابعاً : كان نموذجاً للكاتب القدير والمفكر المقتدر وكان قلمه الذرب الذائد عن حياض هذا التراث والمدافع عنه في معضلات الأمور .
يعتبر المطران بولس فيلسوف من أئمة الفلسفة السريانية , كان يحمل روحاً فلسفية وذوقاً للحياة العقلية , تناول الفلسفة السريانية بدراسات مستفيضة أظهر فيها منزلة فلاسفة السريان مقارناً بينهم وبين فلاسفة العرب والإغريق , مظهراً المواقف التي يشترك فيها الفيلسوف السرياني مع غيره من أولئك الفلاسفة كما يشير إلى المواقف التي يخالفونها , مشخصاً بدقة موقف الفلسفة السريانية التي يعزو إليها بعض الفرائد الفلسفية هي الابتكار والإبداع .
ويحز في نفسي أن أقول أن حقل الفكر السرياني أدباً وفلسفة قد جفّ بغياب المطران بولس عن ساحة الفكر منذ 19 شباط 1969 ولم نرى بعده من يحقق الرغبة ويلبي النداء ويسد النقص .

كلمة أخيرة عن حياة هذا الملفان الذي خسرته البشرية قد يكون خُلق ليكون علامة للقرن العشرين ولكن ليس رئيس أبرشية فالمعانات التي عانها من أقرب المقربين إليه حيث كان العقد الخامس من حياة نابغة السريان حياة نغص وغصص وكانت سنوه الأخيرة مليئة بالمآسي والمزعجات فقد عصر عناقيد أفراحه في الماضي فملأ كؤوساً من خمرة الألم واختلست الأيام النوم من عينيه سببها أناس نضبت نفوسهم من الرأفة وخلت من خشية الله أخذوا يدورون في الظلام لينتزعوا ابتسامته ويختلسوا سعادته وينهبوا ما لديه من مسرات الحياة ليشبعوا بها نهم شهواتهم ويتمموا بها نقصهم لا بل كان رجل ( آلام وأوجاع ) سيّما الفترة الواقعة ما بين 1959 – 1962 , أما هو فقد عاقب أولئك بصمته وآلامه ( وكشاة تساق إلى الذبح لم يفتح فاه )

( المطران اسحق ساكا )

عن كتاب صوت نينوى وآرام
أو المطران بولس بهنام

أضف رد جديد