اديب المهجر نظير زيتون

أضف رد جديد
تلميذة المطران
مراقب عام
مراقب عام
مشاركات: 114
اشترك في: الخميس إبريل 28, 2011 11:53 am

اديب المهجر نظير زيتون

مشاركة بواسطة تلميذة المطران » السبت إبريل 30, 2011 7:00 am

اديب المهجر نظير زيتون
صورة
قال عن ملفاننا



وبعدما غاب عن ابصارنا قداسة البطريرك الانطاكي العظيم مار إغناطيوس افرام الاول برصوم ، وشاء له الله ما عنده على ما عندنا ، بعدما إنتقل من دنيانا الى عالم الحق والنور ، رفعت عيني ، والبطريرك الراحل ملء الجنان والوجدان والبصيرة والسريرة ، رفعتهما رفافتين ببريق الرجاء الى تلميذه النجيب الحبيب ، الى خليفته في ألمعيته وعلمه وعبقريته ، خليفته في روحانيته وصوفيته ومثله العليا ، خليفته المطرس على آثاره ، والطابع على غراره ، رفعتهما رفافتين ببريق الرجاء الى سيادة الحبر العلامة مار غريغوريوس بولس بهنام مطران الموصل ، وكان على أهبة العودة الى أبرشيته ، بعد ما شيع البطريرك الخالد بنشيد رف فيه الحرف والطرف ، واعتلجت الأضالع والمفازع ، وتهادى البيان خمرا وسحرا . زرته في البطريركية مودعا ، ومددت إليه بصرا مدندنا يحييه ويستجليه ، وسرعان ما ترجم سؤالي واجاب :....نعم ، سأكتب تاريخه الحبيب ... وسأنشر مآثره ومفاخره وأعرض جواهره . وسأستمد نوراً من شعلته . وشذاً من روضته . وهدىً من يراعته ، فهو الذي علم أقلامنا الصداح . وهو الذي حمل لنا المصباح ، ودلنا على المراقي الصحاح... نعم ساكتب تاريخه في دراسة مفصلة ، وهذا أضعف الوفاء ...
وسكت بليغاً حميساً غيوراً ..
وأصغيت متهللاً فخوراً ..
وكان ثالثنا مار ملاطيوس برنابا الوكيل البطريركي ، خاشعاً لهيفاً . كان قلبه يخفق في عينيه . وكانت شفتاه تسرحان على أهدابه المرتعشة ، فتزكو المعاني وتنضر الأحاسيس ،ثم تنشر بشرى ـ الكتاب ـ سحابا قطورا في جوانحه النغطرمة ، فتخضوضل وتندى وتهتز طربا للحمية والاريحية واللوذعية .
وانصرفت مطمئناً على أمل اللقاء بين يدي ـ الكتاب ـ المنشود ...

ومضى الزارع النهي الحكيم يحرث بإيمان في جانحيه . ويبذر بضياء في عينيه ، وألمعية تترقرق في بردتيه . ويروي بفيض من اصغريه ، وندى في راحتيه . فنما الزرع وأمرع مخضوضراً رياناً في الحقل الزكي الخصيب . وكانت الشمس تحنو عليه بأشعتها الدافئة الحنون ، وتدغدغه بقبلاتها العبهرية . فاذا الحقل الميمون ، زمردة صافية نقية . زمردة كريمة وفية، يفتر مبرقها على بسمة الشكر والاستقدار للزارع النهي الحكيم ...

سلمت يدك يا ابن جلا وطلاع الثنايا ، وعشت للإبداع ، والنور يا مار غريغوريوس بولس بهنام .
انت لم تغمد محراثك في أحشاء الحقل ، ولكنك اغمدت قلمك في أعماق القلب والروح . وانت لم تستنبت سنابل القمح ، ولكنك استخرجت نفائس الكنوز . وما كانت بيادرك حبوباً تملأ البطون ، ولكنها كانت أهراما باذخة تكحل العيون . وتشيد بذكرها السنون . ويتغنى بها المتنافسون .
فما أروعك زارعا في حقل الأدب والمعرفة والدراسة والنقد ، وما أبرعك صائغاً في حقل الفن والتأنق والاسلوب و الاداء ، وما أصدقك مسجلا في حقل التاريخ والفكر والفلسفة . وما أسماك مؤلفاً في حقل النزاهة والصحافة والاستقصاء .

وإني لأتصفح مؤلفك الفريد النفيس ، وأسرح رائد الطرف ، واقرأ حرفه المسطور وغير المسطور ، والمح المنظور وغير المنظور ، فلا أرى فيه كتاباً ، وإنما أرى إماما ومحرابا ، وسماء وسحاباً ، وخمراً وملاباً ، وصبابات عذاباً ، وإنما أسمع المزمار والقيثار ، وحنين الأوتار ، وعندلة الهزار ، ونجوى الاقمار ، وشدو الاسحار ، وانثني وقد نضحتُ عطشاً روحياً ، ونقعت غلة الفكر والعين والاذن . فأي سحر في بيانك ، وأي كوثر في جنانك...
ولا أملك بعد هذا إلا الشكر ، اعمق الشكر ، إذ أتحتَ لي ان أنظم إلى إكليلك الباسق السامق ، المتفاوح البارق ، زهرة خفرة وديعة يشفع بها معنى الوفاء الخافق ورمز الإخلاص الدافق . وأن أضع إلى جانب نبراسك الزهار . شمعة سحوح الدمع ، ساجية الأنوار . حسبها إنها من بنات الحنايا . لا من بنات الخلايا . وأن أطرح بقرب مجمرتك الحافلة بالطيوب والعطور . حبات من زكي البخور . يرتفع دخانها الأبيض الطهور ، نشيداً هتوفاً في مسمع الدهور...


نزيل حمص ، ايلول ، 1958
نظير زيتون

( من مقدمة كتاب نفحات الخزام، أو حياة البطريرك أفرام،
بقلم الملفان مار غريغوريوس بولس بهنام، الموصل ،1959 ، ص 15 ـ 17 )

أضف رد جديد