سوسنة بين الشوك

أضف رد جديد
تلميذة المطران
مراقب عام
مراقب عام
مشاركات: 114
اشترك في: الخميس إبريل 28, 2011 11:53 am

سوسنة بين الشوك

مشاركة بواسطة تلميذة المطران » الأحد مايو 01, 2011 7:57 pm

(كالسوسنة بين الشوك)
نش 2 : 2


والقى الفجر أشعته المخضبة بدم الأجيال ، على السهل الفسيح ، حيث ينبت العوسج بجانب الصفصاف ، ويرتفع السرو إلى جانب اللبلاب ، والجدول القديم يخترقه ، كما يخترق شعاع البدر أثواب الليل البهيم ..
هناك ... بين تلك الأشجار المتعالية نحو اللا نهاية ، كنت ترى بقعة صغيرة كساها القرطب ، وغطت أديمها الأحساك والأشواك ، وهي ترتوي من ماء الجدول المنساب ، كما ترتوي الزنابير من كأس زجاجي جميل ... ولكن في وسط البقعة الصغيرة ، نمت سوسنة بيضاء كأنها حلم من أحلام الملائكة فوق أديم السماء..
هي وحيدة ، ووا حسرتاه ، بين تلك الأنياب الجارحة ، وقد صوبت الأشواك سهامها إلى قلبها الغض تريد إفتراسه قبل إنبلاج الصباح ، كنت أراها وكأني في حلم رهيب فقلت : رباه !! هذه صورة من صورالحياة التاعسة التي يحياها البشر المساكين فوق هذه الغبراء ، وإلا ، ماذا جنت السوسنة الطاهرة ، لتبتلى بهذه الأشواك ؟ هذا درس خالد للنفوس الطاهرة على الأرض، وبين موبقات الحياة ، وإلا ، ما الغاية في سجن هذا الطهر السموي في هذا الظلام الجهنمي ؟
كنت أتمتم بهذه الكلمات ، وإذا بالسوسنة ، تحني رأسها المكلل بهالة من نور نحو المشرق ولسان حالها يقول : دعني ياصديقي الحكيم بين أشواك خلقت بينها ، ولا تأسف على طهري وجمالي ، فقد وجد للتمتع بالألم والشقاء في هذه الحياة الغادرة .. وإذا كانت هذه الأشواك والأحساك تستطيع تطويق جيدي الجميل ، فهي لا تستطيع ولن تستطيع أن تخفي عبيري المنعش فأني أرسله إلى النفوس الطاهرة المرفرفة فوق المرج الجميل في كل صبح ومساء ...
دعني ، يا أبن آدم ، فهذه الأشواك ليست إلا رحمة بالنسبة إلى بعض أصحابك الناس ، إن هذه الأشواك تخز قلبي ، وتلتقط وذرات دمائه القانية لئلا تطأها الوحوش الكاسرة تحت جنح الليالي المظلمة، أما أصحابك أولئك فأنهم يدمون القلوب ، ويحطمون الأرواح، ويهرقون الدماء ويدوسونها تحت اقدامهم الآثمة ، قبل إحمرار الأصيل ...
إن أشواكي ، يا أبن آدم ، تجرح وتدمي ، ولكنها لا تمنع عبيري عن البلابل الصغيرة المرفرفة في الفضاء، أما أنتم أيها البشر، فإنكم تجرحون وتدمون ، وتسفكون الدماء الطاهرة ، وتشوهون الحقائق ، وتخنقون الأناشيد العذبة التي ترسلها الأرواح الطاهرة عند إنبلاج الصباح ...
((أيها الطبيب إشف نفسك)) وأذهب وقل لأصحابك الناس أن السوسنة البيضاء الطاهرة بين الشوك، هي مثال صادق لكل نفس طاهرة في هذه الحياة الدنيا.
هذا، ماقالته السوسنة البيضاء، ولازال إلى الآن إنشودة بفم الصباح .


لسان المشرق، عدد شباط وآذار ،1949 ، ص.3 ـ 4

أضف رد جديد