منديل المسيح في المراجع السريانية

أضف رد جديد
تلميذة المطران
مراقب عام
مراقب عام
مشاركات: 114
اشترك في: الخميس إبريل 28, 2011 11:53 am

منديل المسيح في المراجع السريانية

مشاركة بواسطة تلميذة المطران » الثلاثاء إبريل 09, 2013 10:41 pm

منديل المسيح
في المراجع السريانية

صورة

١ ـ تمهيد
ان المراجع السريانية غنية بكل الحوادث الهامة القدمى ، سواء الدينية منها او المدنية ، فهذا التقليد المتعلق "بمنديل المسيح "، الذي تركته لنا القرون الاولى للمسيحية في بلاد الشرق ، ترويه لنا هذه المراجع حادثة تاريخية كبقية الحوادث ، ونحن لا نرى غضاضة في ذلك ، لأن امرا هذه شهرته الواسعة ، وهذه اهميته الدينية ، وهذه حوادثه المشهورة ، لا يمكن ان يكون اسطورة مجردة . فهناك حقيقة ناصعة وراء هذه الامور ، واذا تغلغلنا ولو قليلا في تواريخنا السريانية ، نراها تؤيد ما نحن بصدده تأييدا كاملا .

٢ ـ صاحب المنديل ومراسلته للمسيح
ان صاحب هذا المنديل هو ابجر الخامس المعروف بالاسود ملك الرها ٤٠ق.م ـ ٥٠ ( هي من أقدم مدن الشرق القديمة، خربت فمصرها سلوقس اليوناني أحد قواد الاسكندر الاربعة سنة ٣٠٤ م وسماها ايديسا ، دعاها اليونان "كاليرهوي" ، أي الحسنة المياه ، وتعرف عندنا باورهاي ، وعربت بالرها ، وتعرف ب "اورفا"، راجع عنها تاريخ الرها لدوفال ، وراجع ايضا ياقوت معجم البلدان تحت كلمة "الرها" ). وهو من الملوك الاباجرة الذين حكموا الرها واطرافها من سنة ١٣٢ق.م الى ٢٤٤م ، واسس هذه المملكة في مدينة الرها أريو الملك ، ومعنى أريو "الاسد"، من سنة ١٣٢ ـ ١٢٧ ق.م ، وخلفه عبدو بن مزعور ( ١٢٧ ـ ١٢٠ ) ، وهذا تسلسل ملوك الرها حتى انقراض مملكتها في اواسط القرن الثالث ، على ان معظم ملوكها يسمون "الأباجرة " لكثرة انتشار اسم "ابجر" بينهم .
ادعى بعض المؤرخين أن الملوك الاباجرة كانوا ( ارمن ) ، ولا نرى ذلك صحيحا ، لأن اسماءهم هي سريانية صرفة ، فهم سريان ، فأن مؤسس هذه المملكة ، والملك الاول في هذه السلسلة الملكية هو " أريو"، كما علمنا ، وأريو اسم سرياني معناه الأسد ، ثم جميع الملوك بعده اسماؤهم سريانية ، فأن اسم "ابجر" سرياني معناه "الاعرج"، فيكون هؤلاء الملوك والحالة هذه سريانا ، لا أرمن .
أما أمر المنديل وابجر الخامس ، فهوان هذا الملك كان مجذوما ، يتعذب بهذا الداء الوبيل، وبعد سنة ٣٠ للمسيح سمع بعجائبه في الورشليم ، فتاق الى رؤياه لكي يشفيه من دائه هذا . وتروي المراجع السريانية هذه الحادثة الهامة على الشكل الآتي :
‫"‬ في السنة التاسعة عشرة من ملك طيباروس ، وهي سنة ٣٤٢ من تاريخ الاسكندر، ارسل ابجر ملك الرها فيجا اسمه حنان ومعه وفد الى المسيح ، يحمل كتابا هذه صورته : "من ابجر الاسود الى ايشوع المتطبب الظاهر في اورشليم .أما بعد فأنه بلغني عنك وعن طبك الروحاني ، وانك تبريء الأسقام من غير ادوية ، فحدست انك اما إله نزلت من السماء او ابن الإله . فانا أسألك ان تصير إلي لعلك تشفي ما بي من السقم ، وقد بلغني ان اليهود يرمون قتلك ، ولي مدينة واحدة نزهة ، وهي تكفيني وإياك ، نسكن فيها في هدوء ..والسلام ."
وكان ابجر قد امر حنان ، فيما اذا ابى المسيح ان يصحبهم اليه ، أن يجلب اليه صورته الصحيحة ليراها ، ولما بلغوا اورشليم ، وقابلوا المسيح ، سلموه الرسالة من ابجر ، فقرأها ، وكتب جوابها حالا .
فلما أخذ حنان الجواب من المسيح جعل ينظر اليه ويصور صورته في منديل ، لأنه كان مصورا ، واتى به الى الرها ورفعه الى ابجر الاسود ، ورواها التاريخ السرياني المجهول، ان المسيح عرف بالامر ، فطلب ماء وغسل وجهه الأقدس ، واخذ منديلا ، فمسح به وجهه ، وانطبعت عليه صورته ، فاخذ حنان المنديل والرسالة ورجع الى ابجر .
وهذه صورة رسالة المسيح الى ابجر :
‫"‬ طوبى لمن يؤمن بي ولم يرني ، واما اذا سألتني المصير اليك ، فانه يجب ان اتمم ما ارسلت له ، واصعد الى ابي ، ثم ارسل اليك احد تلاميذي ، يبريء سقمك ، ويمنحك ومن معك حياة الأبد ، وليبارك مدينتك ، فلا يقهرك ملك آشور .

٣ ـ رجوع الوفد الى ابجر
بعد ان تلقى اعضاء الوفد الرسالة من يد يسوع المباركة ، وأخذوا المنديل الذي ارتسمت فيه صورته الكريمة ، قفلوا راجعين الى سيدهم ابجر الخامس ملك الرها ، فبلغوا منبج ، واضطروا للمبيت فيها ليلتهم ، ولم يريدوا ان يبقى المنديل الكريم معهم في كوخ المبيت ، حرصا عليه من الضياع ، فأصعدوه الى محل مرتفع فوق كوخهم ، وأخفوه بين قرميدتين هناك في موضع نقي ، ولما جن الليل ، هبط نور ساطع من السماء الى الموضع الذي كان فيه المنديل ،ولما رأى ذلك المنظر العجيب ، تقاطروا الى محل الحادث ، ولما لم يستطع اعضاء الوفد من اخفاء الأمر ، اخبروهم بتفاصيله ، ولما فهم سكان المدينة سبب هبوط النور ، طلبوا ان يتباركوا من المنديل ، بعدما رأوا هذه الاعجوبة الباهرة ، ولما مد حنان يده ليأخذ المنديل من بين القرميدتين ، وجد ان الرسم الكريم انطبع على القرميدتين ايضا ، ولما راى السكان هذه الاعجوبة الثانية ، شغفوا بحبه وطلبوا الى حنان ، ليترك لهم القرميدتين ، ليحفظ وطنهم ببركتهما . ولما اخذوا القرميدتين ، وضعوهما باجلال عظيم في موضع مكرم من معبدهم ، وكانت تجري منهما الكرامات والعجائب الكثيرة ، حتى جاء فيلبس الرسول وتلمذهم ، وبنى كنيسة ووضع فيها القرميدتين المقدستين ، ولما استشهد الرسول لأجل الرب في هذه المدينة ، وضع هناك جثمانه الطاهر .

ثم اخذ اعضاء الوفد المنديل الكريم ، وأتوا به الى الرها ، فاستقبلهم الملك ابجر بأهل المدينة استقبالا حافلا ، وتبارك الجميع من المنديل المقدس ، ونال الملك به راحة من سقمه ، حتى جاء الرسول أدى اليه ، بعد صعود الرب ، فعمده ومنحه الشفاء الكامل من أسقامه ، وتتلمذ له اهل الرها فنصرهم .

٤ ـ المنديل في التاريخ

اعتبر الملك ابجر هذا المنديل الكريم ذخرا نفيسا ، لأنه كان يحمل صورة المسيح الذي شفاه من جذامه بواسطة تلميذه أدى ، وأعاده الى طريق الحياة ، ولذلك اختار له محلا مكرما في كنيسة جليلة في مدينة الرها ، ولما كانت كنيسة ابجر اقدم كنيسة في هذه المدينة ، نرى انه وضع فيها اولا ، وبقي فيها مكرما حتى اواسط القرن الرابع او اواخره ، حيث نقل الى كنيسة مار قوزما التي بنيت في هذه الاثناء. أما سبب نقله الى كنيسة مار قوزما ، فكان ان رجلا شرقيا زار كنائس الرها وكان قد سمع بالمنديل وقرر سرقته ـ ربما للتبرك منه او لغاية اخرى ـ ودخل كنيسة الرها القدمى التي كان فيها المنديل ، فسرقه وأخفاه بين ثيابه ، وخرج من باب المدينة الشمالي ، في وقت المساء ، وبات ليلته في كنيسة مار قوزما ، وكان المنديل يضرم عليه نارا لاهبة ، ولشدة خوفه من هذه البادرة المرعبة ، ألقاه في بئر عميقة في الكنيسة نفسها ، فظهر حالا عمود ناري ، يهبط من السماء الى البئر ، فتقاطر الناس ليروا الحادث الغريب ، ولما نظروا في البئر ، واذا بأشعة تتدفق من شيء كأنه قرص الشمس ، فهبط بعضهم الى قعر البئر ووجد المنديل واخرجه . وفي هذه اللحظات ايتحم في ماء البئر المرضى الذين كانوا في الكنيسة ، فشفوا حالا ، وفي اليوم الثاني أنتشر الخبر في الكورة كلها ، فتقاطر الى الكنيسة كثيرون من المرضى ، ولا سيما المجذومين والبرص ، والذين فيهم امراض جلدية مثل مرض ابجر الملك ، فشفي جميعهم عند استحمامهم بماء البئر ، ولا سيما الغرباء عن المسيحية . وبعد هذه الحادثة الرائعة حفظ هذا المنديل الكريم في كنيسة مار قوزما هذه ، وبقي فيها زمانا طويلا الى ايام المتقي ، الخليفة العباسي ( ٩٤٠ ـ ٩٤٤ ) حيث طلبه احد ملوك الروم فأخذه ، وقد أخبرنا ابن العبري عن ذلك قال : " وفي سنة ( احدى وثلثين وثلثمئة هجرية ـ ٩٤٢م ) ، ارسل ملك الروم الى المتقي يطلب منه منديلا ، مسح بها المسيح وجهه ، فصارت صورة وجهه فيها ، وانها في بيعة الرها ، وذكر انه إن ارسلها اليه أطلق عددا كثيرا من أسارى المسلمين ، فاستفتى المتقي القضاة ، فأنكر بعضهم تسليمها واجاب بعضهم قائلا : إن خلاص المسلمين من الاسر والضر والضنك الذي هم فيه اوجب ، فأمر المتقي بتسليم المنديل الى الرسل ، وارسل معهم من يتسلم الأسارى ".
ولم نسمع بعد هذا التاريخ بخبر عن المنديل ، غير ان البئر في دير مار قوزما ، كان لازال ماؤها يشفي المجذومين والبرص ، زمنا طويلا ، حتى بعد خراب الدير بزمن طويل .
أخبرنا المؤرخ السرياني المجهول ، ان زنكي عماد الدين بن اقسنقور الذي فتح الرها قبل اواسط القرن الثاني عشر ، كان يشكو في رجليه من داء النقرس الوبيل ، فأخبره مطران الرها عم امر البئر والعجائب التي يظهرها الله بواسطة مائها ، قال : " اني اؤمن ان بركة المسيح تستطيع ان تعمل العجائب …. فغسل قدميه بالماء وشفي ، وأمر فبني فندق عظيم بقرب البئر لينزل فيه المرضى ، وحبس عليه أرزاقا طائلة تكون موردا للفندق ونزلائه المصابين بأنواع الأمراض ، إلا ان الفندق لم يعش طويلا .



(‬ عن مجلة لسان المشرق ـ للعلامة الملفان مار غريغوريوس بولس بهنام ، سنة ١ ، شباط وآذار ، ١٩٤٩م ، ص ٢٠ ـ ٢٦ )

أضف رد جديد