التفسير والتاريخ عند السريان

أضف رد جديد
تلميذة المطران
مراقب عام
مراقب عام
مشاركات: 114
اشترك في: الخميس إبريل 28, 2011 11:53 am

التفسير والتاريخ عند السريان

مشاركة بواسطة تلميذة المطران » السبت نوفمبر 03, 2012 10:32 pm

مقالة " التفسير والتاريخ عند السريان " ، مجلة الضاد ، العدد الخامس ، ايار ١٩٤٥م ، السنة الخامسة عشرة ، حلب

صديقنا الاديب القدير ، الراهب بولس بهنام ، خير من يلم بالتاريخ السرياني ، وخير من يستطيع الكتابة في العلوم والآداب السريانية على اختلاف انواعها .
وهذا مقال جديد ، مفيد ، نضيفه الى ما نشرته "الضاد" ، من المقالات الشائقة ، التي خصها بها الراهب العزيز ، والتي اودعها كل ما يشير الى ما كان عليه السريان ، من سمو واشراق .

التفسير : ـ علم التفسير ذو شأن خطير عند السريان ، لأنه يلي اللاهوت الاعتقادي ، وقد عملوا ذلك منعا لأختلاف الآراء في تأويل نصوص الكتاب المقدس ، فاعتنوا به عناية خاصة ، منذ القرن الثالث الى القرن الرابع ، ونبغ منهم كثيرون ، أجادوا في التفسير وافادوا ، فان القديس افرام ، فسر كثيرا من آيات الكتاب العزيز ، بميامره العذبة ، ومداريشه الطلية ، التي تغنت بها الكنيسة السريانية ، ، منذ ايامه حتى الآن . هذا فضلا عن انه فسر العهدين ، القديم والجديد ، تفسيرا ساميا ، اكسبه شهرة فائقة بين جميع المفسرين ، ولكن اصله السرياني مفقود ، وبقيت ترجمته الارمنية فقط . ومثله يعقوب السروجي الشاعر الموهوب في القرن الخامس ، الذي افعم قصائده الطوال ، معظم حوادث الكتاب المقدس ونصوصه وتفاسيره ، ومدح كثيرين من رجاله ، فضلا عن رسائله التي اجاد بها كل الاجادة ، في تفسير كثير من النصوص المقدسة . والفيلسوف يعقوب الرهاوي الذي اشتغل بالفلسفة واللاهوت ، وله النصيب الاوفى في علم التفسير ، وتفاسيره وشروحه من اجل ما تركه المفسرون السريان ، منذ تلك العصور الى الآن واليه يرجع كثيرون من المفسرين المتاخرين .
واجاد في التفسير ايضا ، فيلكسينوس اسقف منبج الذي ذكرناه بين اللاهوتيين والمجادلين ، وموسى بن كيفا ( ٩٠٣ ) ، وابن الصليبي الذي ذكرناه بين المجادلين ، له تفسير العهدين اعتمد فيه على ائمة المفسرين الاقدمين ، امثال غريغوريوس وباسيليوس والنازنيزي والذهبي الفم والسروجي والرهاوي وغيرهم ، وعقبه غريغوريوس بن العبري ، الذي له في كل علم النصيب الاعلى ، بكتابه " كنز الاسرار " ، وهو موسوعة نادرة في درس نصوص الكتاب المقدس ، وشرح العهدين ، وتمحيص الترجمات البسيطة والسداسية والحرقلية على الصرف والمعجم السريانيين .
واما عند السريان الشرقيين ( النساطرة ) ، فلم يظهر مفسر خطير ، نال نصيب هؤلاء الاعلام بالشهرة والتفوق ، إلا النزر اليسير منهم ، وجل اعتماد النساطرة ، كان على شروح ثاودروس المصيصي ، الذي ترجموا مؤلفاته من اليونانية الى السريانية في ايامه ، ولم يعدموا بعض المفسرين ، بيد ان آثارهم ضئيلة ، نادرة .


التاريخ لدى السريان : أمتاز السريان بالتاريخ ، ولولا التواريخ التي تركوها ، لضاعت امور تاريخية كثيرة من حضارات الامم القديمة ، ولفقد العالم أكبر عنصر فعال في معرفة تطور حضارته .ولدينا من التواريخ العامة والخاصة ، الشيء الكثير . وهناك تواريخ مدنية ، تبحث في نشوء العالم ، وتطور ممالكه القديمة والحديثة ، وسير ملوكه المشاهير وحروبهم وفتوحاتهم . وهناك ايضا التواريخ الكنسية الكثيرة ، تبحث في نشوء الكنيسة المسيحية ، وتطورها واحداثها ورجالاتها المشاهير ، ونساكها ، وشهدائها . وأهم التواريخ عندنا ، هو التاريخ المنسوب خطأ الى ديونوسيوس التلمحري المتوفى ( ٨٤٥ ) ، ويليه بالجودة والدقة تاريخ اوسابيوس القيصري ، الذي اتمه يعقوب الرهاوي ، وهو اجل تاريخ تركه لنا جدودنا السريان الاقدمون ، ثم تاريخ العلامة ميخائيل الكبير ، بطريرك انطاكية ، وهو تاريخ مدني وكنسي ، يبتديء من اول الخليقة ، وينتهي سنة ( ١١٩٦) ، يقع في اربعة مجلدات كبيرة ، نشره "شابو" مترجما الى الفرنسية ، ثم تاريخ الرهاوي المجهول ، مجلدان ، وهو ايضا مدني وكنسي ، يبتديء بالخليقة ، وينتهي سنة ( ١٢٣٤) . وللعلامة ابن العبري ميزة خاصة في علم التأريخ ، وقد وضع فيه ثلاثة كتب مهمة ، اشهرها : اختصار تاريخ ميخائيل الكبير الآنف الذكر ، وعلق عليه حوادث كثيرة ، اقتبسها من مصادر مهمة ، وقد سماه " تاريخ الازمنة " ، يبتديء من اول الخليقة ، وينتهي سنة ( ١٢٨٥ ) . وله مجلدان في التاريخ الكنسي ، الاول في بطاركة انطاكية ، واحداث الكنيسة المسيحية الاولى ، والثاني في مفارنة الشرق ، والجثالقة الأولين ، وجثالقة النساطرة ، واستفاض في بحث احداث الكنيسة الشرقية ، وألف تاريخا باللغة العربية ، التي كان من أمراء بيانها ، اجابة لطلب بعض شيوخ المسلمين ، وبحث في اخبار دول العالم القديم بصورة مختصرة ، واستفاض باخبار العرب ، ودولهم ، واحداثهم ، ورجالاتهم ، وخلفائهم ، وسماه " مختصر الدول " ، وقد نشر مطبوعا قبل مدة .
ولنا غير هذه التواريخ الشيء الكثير ، مما يضيق المقام بذكره ، اهم ذلك ، تواريخ بعض الرجال ، والاديرة والابرشيات ، وقصص الشهداء وغيرهم ، عني بتدوينها رجال اكليريكيون وغير اكليريكيين ، ولو جمعنا التواريخ السريانية كلها ، لتألف لدينا منها مكتبة تاريخية عظيمة ، تحوي جميع احداث العالم القديم ، والقرون الوسطى ، اما خلو هذه التواريخ من الفلسفة التاريخية المعروفة اليوم ، فذلك لا يعود الى قصر باع مؤلفيها ، بل الى عدم وجود هذه الطريقة من البحث في تلك العصور ، ولم يتولد هذا العلم إلا في الايام المتاخرة ، ولذلك لا نجد مؤرخا في تلك العصور طرق هذا الباب ، وليس لدينا من مؤلفات العرب ، ولا من مؤلفات غيرهم ، ما يثبت لنا ان المؤرخين كانوا يعالجون هذا الموضوع .

الراهب بولس بهنام
مدير المدرسة الاكليريكية الافرامية بزحلة
المرفقات
مور بولس بهنام ٣ 2.jpeg
مور بولس بهنام ٣ 2.jpeg (130.56 KiB) تمت المشاهدة 18748 مرةً
مور بولس بهنام٢.jpeg
مور بولس بهنام٢.jpeg (150.64 KiB) تمت المشاهدة 18748 مرةً
مور بولس بهنام١.jpeg
مور بولس بهنام١.jpeg (151.76 KiB) تمت المشاهدة 18748 مرةً

أضف رد جديد