صفحة 1 من 1

التفسير والتاريخ عند السريان

مرسل: السبت نوفمبر 03, 2012 10:32 pm
بواسطة تلميذة المطران
مقالة " التفسير والتاريخ عند السريان " ، مجلة الضاد ، العدد الخامس ، ايار ١٩٤٥م ، السنة الخامسة عشرة ، حلب

صديقنا الاديب القدير ، الراهب بولس بهنام ، خير من يلم بالتاريخ السرياني ، وخير من يستطيع الكتابة في العلوم والآداب السريانية على اختلاف انواعها .
وهذا مقال جديد ، مفيد ، نضيفه الى ما نشرته "الضاد" ، من المقالات الشائقة ، التي خصها بها الراهب العزيز ، والتي اودعها كل ما يشير الى ما كان عليه السريان ، من سمو واشراق .

التفسير : ـ علم التفسير ذو شأن خطير عند السريان ، لأنه يلي اللاهوت الاعتقادي ، وقد عملوا ذلك منعا لأختلاف الآراء في تأويل نصوص الكتاب المقدس ، فاعتنوا به عناية خاصة ، منذ القرن الثالث الى القرن الرابع ، ونبغ منهم كثيرون ، أجادوا في التفسير وافادوا ، فان القديس افرام ، فسر كثيرا من آيات الكتاب العزيز ، بميامره العذبة ، ومداريشه الطلية ، التي تغنت بها الكنيسة السريانية ، ، منذ ايامه حتى الآن . هذا فضلا عن انه فسر العهدين ، القديم والجديد ، تفسيرا ساميا ، اكسبه شهرة فائقة بين جميع المفسرين ، ولكن اصله السرياني مفقود ، وبقيت ترجمته الارمنية فقط . ومثله يعقوب السروجي الشاعر الموهوب في القرن الخامس ، الذي افعم قصائده الطوال ، معظم حوادث الكتاب المقدس ونصوصه وتفاسيره ، ومدح كثيرين من رجاله ، فضلا عن رسائله التي اجاد بها كل الاجادة ، في تفسير كثير من النصوص المقدسة . والفيلسوف يعقوب الرهاوي الذي اشتغل بالفلسفة واللاهوت ، وله النصيب الاوفى في علم التفسير ، وتفاسيره وشروحه من اجل ما تركه المفسرون السريان ، منذ تلك العصور الى الآن واليه يرجع كثيرون من المفسرين المتاخرين .
واجاد في التفسير ايضا ، فيلكسينوس اسقف منبج الذي ذكرناه بين اللاهوتيين والمجادلين ، وموسى بن كيفا ( ٩٠٣ ) ، وابن الصليبي الذي ذكرناه بين المجادلين ، له تفسير العهدين اعتمد فيه على ائمة المفسرين الاقدمين ، امثال غريغوريوس وباسيليوس والنازنيزي والذهبي الفم والسروجي والرهاوي وغيرهم ، وعقبه غريغوريوس بن العبري ، الذي له في كل علم النصيب الاعلى ، بكتابه " كنز الاسرار " ، وهو موسوعة نادرة في درس نصوص الكتاب المقدس ، وشرح العهدين ، وتمحيص الترجمات البسيطة والسداسية والحرقلية على الصرف والمعجم السريانيين .
واما عند السريان الشرقيين ( النساطرة ) ، فلم يظهر مفسر خطير ، نال نصيب هؤلاء الاعلام بالشهرة والتفوق ، إلا النزر اليسير منهم ، وجل اعتماد النساطرة ، كان على شروح ثاودروس المصيصي ، الذي ترجموا مؤلفاته من اليونانية الى السريانية في ايامه ، ولم يعدموا بعض المفسرين ، بيد ان آثارهم ضئيلة ، نادرة .


التاريخ لدى السريان : أمتاز السريان بالتاريخ ، ولولا التواريخ التي تركوها ، لضاعت امور تاريخية كثيرة من حضارات الامم القديمة ، ولفقد العالم أكبر عنصر فعال في معرفة تطور حضارته .ولدينا من التواريخ العامة والخاصة ، الشيء الكثير . وهناك تواريخ مدنية ، تبحث في نشوء العالم ، وتطور ممالكه القديمة والحديثة ، وسير ملوكه المشاهير وحروبهم وفتوحاتهم . وهناك ايضا التواريخ الكنسية الكثيرة ، تبحث في نشوء الكنيسة المسيحية ، وتطورها واحداثها ورجالاتها المشاهير ، ونساكها ، وشهدائها . وأهم التواريخ عندنا ، هو التاريخ المنسوب خطأ الى ديونوسيوس التلمحري المتوفى ( ٨٤٥ ) ، ويليه بالجودة والدقة تاريخ اوسابيوس القيصري ، الذي اتمه يعقوب الرهاوي ، وهو اجل تاريخ تركه لنا جدودنا السريان الاقدمون ، ثم تاريخ العلامة ميخائيل الكبير ، بطريرك انطاكية ، وهو تاريخ مدني وكنسي ، يبتديء من اول الخليقة ، وينتهي سنة ( ١١٩٦) ، يقع في اربعة مجلدات كبيرة ، نشره "شابو" مترجما الى الفرنسية ، ثم تاريخ الرهاوي المجهول ، مجلدان ، وهو ايضا مدني وكنسي ، يبتديء بالخليقة ، وينتهي سنة ( ١٢٣٤) . وللعلامة ابن العبري ميزة خاصة في علم التأريخ ، وقد وضع فيه ثلاثة كتب مهمة ، اشهرها : اختصار تاريخ ميخائيل الكبير الآنف الذكر ، وعلق عليه حوادث كثيرة ، اقتبسها من مصادر مهمة ، وقد سماه " تاريخ الازمنة " ، يبتديء من اول الخليقة ، وينتهي سنة ( ١٢٨٥ ) . وله مجلدان في التاريخ الكنسي ، الاول في بطاركة انطاكية ، واحداث الكنيسة المسيحية الاولى ، والثاني في مفارنة الشرق ، والجثالقة الأولين ، وجثالقة النساطرة ، واستفاض في بحث احداث الكنيسة الشرقية ، وألف تاريخا باللغة العربية ، التي كان من أمراء بيانها ، اجابة لطلب بعض شيوخ المسلمين ، وبحث في اخبار دول العالم القديم بصورة مختصرة ، واستفاض باخبار العرب ، ودولهم ، واحداثهم ، ورجالاتهم ، وخلفائهم ، وسماه " مختصر الدول " ، وقد نشر مطبوعا قبل مدة .
ولنا غير هذه التواريخ الشيء الكثير ، مما يضيق المقام بذكره ، اهم ذلك ، تواريخ بعض الرجال ، والاديرة والابرشيات ، وقصص الشهداء وغيرهم ، عني بتدوينها رجال اكليريكيون وغير اكليريكيين ، ولو جمعنا التواريخ السريانية كلها ، لتألف لدينا منها مكتبة تاريخية عظيمة ، تحوي جميع احداث العالم القديم ، والقرون الوسطى ، اما خلو هذه التواريخ من الفلسفة التاريخية المعروفة اليوم ، فذلك لا يعود الى قصر باع مؤلفيها ، بل الى عدم وجود هذه الطريقة من البحث في تلك العصور ، ولم يتولد هذا العلم إلا في الايام المتاخرة ، ولذلك لا نجد مؤرخا في تلك العصور طرق هذا الباب ، وليس لدينا من مؤلفات العرب ، ولا من مؤلفات غيرهم ، ما يثبت لنا ان المؤرخين كانوا يعالجون هذا الموضوع .

الراهب بولس بهنام
مدير المدرسة الاكليريكية الافرامية بزحلة