ماهي الحكمة في الاعتراف

أضف رد جديد
تلميذة المطران
مراقب عام
مراقب عام
مشاركات: 114
اشترك في: الخميس إبريل 28, 2011 11:53 am

ماهي الحكمة في الاعتراف

مشاركة بواسطة تلميذة المطران » الثلاثاء يونيو 19, 2012 5:11 pm

[center]ماهي الحكمة في الاعتراف
مقالة للمثلث الرحمات ملفاننا العظيم
مار غريغوريوس بولس بهنام[/center]

تمهيد :
الاعتراف سر مقدس من اسرار الديانة المسيحية ولا سيما في الكنيسة الرسولية ، فهو واجب من واجبات الدين على كل مسيحي ، وسنتناول في صفحاتنا القادمة هذا السر ، فنبحثه ، معتمدين على علم النفس الصحيح ، والكتاب المقدس والتقليدين الابوي والرسولي في الكنيسة الارثوذكسية ، وتسهيلا للبحث نقسم موضوعنا الى ثماني نقاط هامة ، نتخذها ميدانا للدرس والتحليل ، فنرى كيفية دخول الخطيئة الى النفس ، وآثارها فيها ، وما هو عمل القوة العاقلة ، وعمل الضمير الصالح ، حتى نبلغ الى حاجة الضمير ، الى واسطة ناجعة في شفاء مرصنا الروحي بالخطيئة .


١ ـ النفس والعمل " خيراً كان ام شراً "
في النفس البشرية ثلاث قوى لا تنفصل عن بعضها ، بل تؤلف كائنا روحانيا واحدا نسميه " النفس " ، ولكل من هذه القوة عملها الخاص في الحياة ، تقوم به منفردة في تسيير دفة السفينة البشرية .

ان القوة الاولى نسميها " القوة الفاعلة " ، وهي غريزية ، بهيمية ، عمياء لا تعرف خيراً ام شرا ، لا هدف لها إلا ما تتضمنه كلمة " البهيمية " ، فاذا تركت وحدها ، تهبط بالانسان الى دركات بهيمية ، عنيفة ، وتذهب به في كل ريح ، حتى تساوي بينه وبين أشرس الذئاب في مجاهل الغابات ، ومع ذلك ، هي مصدر الطاقة البشرية ، والقوة المنفذة لجميع الاعمال خيراً كانت او شراً ، لجموحها وعنفوانها ، تارة ، وللاوامر الصادرة من القوة العاقلة ، تارة أخرى ، فاذا تبعت هواها ، وغوايتها ، وانجرفت بجموحها جاءت أعمالا متطرفة هوجاء ، واذا تبعت الاوامر الرشيدة الصادرة من القوة العاقلة ، جاءت أعمالها معتدلة حكيمة تستحق الاظهار امام وجه الشمس .
والثانية " القوة العاقلة " ، التي بواسطتها توضع جميع الاعمال البشرية على محك المنطق ، والواقع ، وتقدر " الطاقة " ، المصروفة في العمل بالنسبة الى أرباحه وخسائره ، فاذا كانت الخسائر اكثر من الارباح احجمت عن العمل ، واذا كانت الارباح اكثر ، اقدمت عليه ، واذا تساوت الارباح والخسائر، تضع الفائدة الخاصة ، والفائدة العامة والخيرية ، في كفتي الميزان وبعد النظر الى ذلك ، تصدر اوامرها .
وبعبارة اخرى تضع القوة العاقلة جميع اعمالها على محك الواقع فاذا استطاعت الظهور بها امام المجتمع ، أمرت بتنفيذها ، وإلا أمرت بوأدها في مهدها قبل ان تظهر امام وجه الحياة .
والثالثة هي " القوة الحاكمة " ، او ما نسميه " الضمير " ، وهذه تقف حكما عدلا في جميع الاعمال التي يقوم بها الانسان ، فاذا كانت خيرا ، حبذتها وأثنت عليها ، واوجبت المضي بها ، واوحت الى النفس ، راحة وأطمئنانا ، وإلا ثارت عليها ثورة جبارة ، صارخة بوجهها قاذفة سهام اللوم والتبكيت الى تلك النفس الامارة بالسوء .
ان هذه القوة هي الرقيب اليقظ على جميع أعمالها ، والديدبان الشجاع الذي لا يماري ، ولا يحابي ، فنسمع أنغامها عذبة ، رقيقة ، عندما تكون أعمالنا خيرة ، ونكون هدفا لقذائفها ، عندما تكون أعمالنا شريرة ، فالعمل والحالة هذه ، تشترك في انشائه ، القوى الثلاث ، وبعد مروره على كل منها يصبح خيراً ام شراً ، موجبا الى الطمأنينة والراحة ، او جالبا لها نقمة الضمير ، وثورته العنيفة وتوبيخه الصارم .
ان القوة الاولى ، وظيفتها القيام بالعمل خيرا كان او شرا ، اما تلبية لنداء غريزتها الطبيعية ، او نزولا عند الاوامر التي تتلقاها من القوة العاقلة ، والقوة الثانية ، تزن الاعمال ، وتعرف هل هي خير ام شر ، وتقرر ذلك بصراحة ، وتصدر الأوامر باتباع الخير طبقا للحكمة والواقع وتنبذ الشر الذي تخجل منه الحكمة ، ويندى له الجبين الرشاد ، والقوة الثالثة الرقيبية ، تعود الى النفس برمتها ، فتثني عليها ، اذا كان العمل خيرا ، وتأمرها بمزاولته ، او تشبعها توبيخاً ، وتبكيتاً ، اذا كان شرا ، فتحرم عليها القيام به ، وبهذه الصورة تشترك القوى الثلاث ، بانشاء العمل فيصدر حاملا طابعاً خاصاً به .
والقوة الثالثة " الحاكمة " ، والتي عرفناها بالضمير قد تكون حية يقظى ، وقد تكون نائمة ، وقد تكون ميتة ، لا روح فيها ولا حياة ، ففي الحالة الاولى لا تأتي الاعمال شريرة ، إلا وتنال النفس منها توبيخاً شديداً ، وتعذيباً لا يوصف ، وفي الحالة الثانية ، تبقى النفس في مأمن من التعذيب ، طالما الضمير راقد ، ولكنه قد يستيقظ ، عاجلاً ام آجلاً ، فيقوم بعمله ، بدقة ومهارة ، وفي الحالة الثالثة ، تبقى النفس الامارة بالسوء ، راكبة فرس شيطانها ، طائرة مع كل ريح ، عائثة في الارض شراً وخبثاً وفساداً ، ولكن لا تطول المدة ايضاً ، حتى تدب فيه الحياة ، فينهض ويرى ويسمع ، وهناك تنال النفس منه جزاءها الصارم ، الى ان تثوب الى رشدها .
[center]‫……………………………………………………………….‬
‫"‬ يتبع "[/center]

تلميذة المطران
مراقب عام
مراقب عام
مشاركات: 114
اشترك في: الخميس إبريل 28, 2011 11:53 am

Re: ماهي الحكمة في الاعتراف

مشاركة بواسطة تلميذة المطران » الأربعاء يونيو 20, 2012 12:45 pm

٢ ـ دخول الخطيئة الى النفس : ـ ان دخول الخطيئة الى النفس يشبه دخول السارق الى البيت ، او دخول العدو الى المعسكر ، فلا يدخل الشر إلا من نقطة ضعيفة في تجهيزات النفس الدفاعية ، وهذا ما عناه سيدنا المسيح بقوله : " كيف يستطيع أحد ان يدخل بيت القوي ، وينهب امتعته ، ان لم يربط القوي اولا ، وحينئذ ينهب بيته " (متى ١٢ : ٢٩) . ومرقس( ٣ : ٢٧ ) ،وهكذا تسري الخطيئة الى النفس بعد أسر قوتها العاقلة ووضعها تحت نفوذ القوة "الفاعلة " البهيمية الهائجة .
علمنا ان القوة الفاعلة هوجاء ، بهيمية ، جموحة ، جبارة تهبط الى اسفل ، باحثة عن اشباع شهواتها الحيوانية ، بدون حد ولا رادع ، ولا يهمها شيء إلا إرواء رغباتها الملحة التي تستحثها للانطلاق بقوة وشراسة ، دون النظر الى عواقب الامور ونتائجها . غير ان ( القوة العاقلة ) لا ترتاح الى هذا الجموح ولا ترضى بهذا الجنون ولا تتنازل للهبوط الى مستوى البهيمية ، لذلك تنشب حرب شعواء بين القوتين ، فتقدم كل واحدة اسلحتها للدفاع عن كيانها ، وما تنتهي المعركة حتى تكون احدى القوتين قد تغلبت على الثانية ، فاذا غلبت الاولى ، دخلت الخطيئة الى النفس دون استئذان ، كما دخلت في المرة الاولى نفس حواء ، بعد حرب روحية طاحنة ، أثارتها القوة الشهوية في قرارة نفسها ، فما هي إلا لُحيظة حتى دخلت الخطيئة الى النفس الفتية العذراء ، فشوهت جمالها ، وسلبت طُهرها ، فمدت يدها الى الشجرة المحرمة ، فاكلت وكسرت وصية الله " بانسان واحد دخات الخطيئة الى العالم وبالخطيئة الموت . رومية ٣ : ١٢ " .
واذا انتصرت القوة الثانية ، عادت النفس أدراجها الى نقطة التعقل ، والاتزان ، تحسب للامور عواقبها ومآتيها ، اما القوة الثالثة ( الضمير ) ، فتكون محايدة ، أبان المعركة ، لأن وظيفتها لا تخولها التدخل او الانحياز الى احد المعسكرين ، فلا عمل لها اذا في دخول الخطيئة الى النفس او عدمه ، فهي ليست إلا حكما عدلا بعد انتهاء المعركة .
هذه الطريقة الرهيبة التي تدخل فيها الخطيئة ابواب النفس فتعيدها الى البهيمية ، وتسلبها اسلحتها الروحية ، وتقيدها بسلاسل من حديد ، حتى تاتي قوة اخرى ، اشد باسا ، واقوى مراسا ، من القوة البهيمية ، فتحطم هذه القيود ، وتطلق النفس امام وجه الابدية وإلا تبقى أسيرة في قيودها الى يوم يبعثون .

[center]" يتبع في النقطة الثالثة "[/center]

تلميذة المطران
مراقب عام
مراقب عام
مشاركات: 114
اشترك في: الخميس إبريل 28, 2011 11:53 am

Re: ماهي الحكمة في الاعتراف

مشاركة بواسطة تلميذة المطران » الأربعاء يونيو 20, 2012 8:55 pm

٣ ـ الخطيئة والنفس
الخطيئة مهما كان نوعها جرح عميق في مهجة النفس تتألم منه بالنسبة الى قواها الروحية الحية فرب نفسين اقترفتا خطيئة واحدة بظروف متشابهة ولكن احداهما تكون أرهف شعوراً وأسمى روحية وأكثر يقظة فتكون آلامها أشد من صاحبتها وأمضى . أما النفوس الميتة وما اكثرها فلا تشعر بالخطيئة وإن كانت عظيمة وفظيعة ومؤلمة " وما لجرح يميت ايلام " وقد حذر بولس الرسول من الخطيئة فقال : " لاتملكن الخطيئة بجسدكم المائت " (رومية ٦ :١٢ ) وأظهر سبب ذلك فقال : " لأن أجرة الخطيئة هي موت " ( ٣ : ٢٣ ) وقال يعقوب الرسول : " والخطيئة إذا كملت تنتج موتا ." ( يعقوب ١ : ١٥ )

[center]"يتبع في النقطة الرابعة "[/center]

تلميذة المطران
مراقب عام
مراقب عام
مشاركات: 114
اشترك في: الخميس إبريل 28, 2011 11:53 am

Re: ماهي الحكمة في الاعتراف

مشاركة بواسطة تلميذة المطران » الأربعاء يونيو 20, 2012 9:07 pm

٤ ـ الضمير والخطيئة : ـ بعد ان تنتهي المعركة بين الخير والشر ، او بين القوة البهيمية والقوة العاقلة ، وتسفر عن اندحار القوة العاقلة ، ويتسرب الألم الى النفس البشرية اليقظى، تاتي القوة الثالثة " الحاكمة ـ الضمير " ، الى ايداء واجبها ، فتعلن حربا شعواء في داخل النفس من أجل الخطيئة التي تغلبت عليها ، وما تزال بها حتى تنكمش النفس على ذاتها ، فتمقت الخطيئة ، وتريد الهرب منها ، ولكن الخطيئة تكون قد أنشبت مخالبها الجارحة ، وتركتها بين الموت والحياة .
إن عمل الضمير هنا هو تنبيه النفس عن سقطتها ، فتثوب القوة الثانية الى رشدها ، وتشعر بخسارتها الروحية الفادحة ، وترجع الى الميدان مرة اخرى ، بعزم جديد وسلاح قوي جديد ، اما الضمير فيتابع حث النفس على المضيء في الجهاد ، حتى النهاية الصالحة ، وهي التغلب على روح الشر والخطيئة ، والشروع في إجلائها من " موانيء النفس ومطاراتها " .
وقد ايد الكتاب المقدس ، ان الضمير الصالح ، منبه يقظ ، للنفس الغافلة ، المكبوتة تحت أغلال الخطيئة ، بل هو شاهد على اعمال الانسان خيرا كانت ام شرا .
قال الرسول بولس عن حفظه الناموس : " الذين يظهرون عمل الناموس مكتوبا في قلوبهم شاهدا ايضا ضميرهم وافكارهم فيما بينها مشتكية او محتجة " رومية ٢ : ١٥ .
وحدث عن نفسه قال " أقول الصدق في المسيح لااكذب وضميري شاهد لي بروح القدس ، رومية ٩ : ١ " ، وقال ايضا في الطاعة الكاملة للسلطان " لذلك يلزم ان يخضع له ليس بسبب الغضب بل ايضا بسبب الضمير ، رومية ١٣ : ٥ " .
وقد يكون الضمير شاهدا ايضا على جميع ما يبطن الانسان وعلى جميع أعماله الخفية والظاهرة . قال بولس الرسول ايضا : " لأن فخرنا هو هذا ، شهادة ضميرنا اننا في بساطة واخلاص الله لا في حكمة جسدية ، بل في نعمة الله في العالم ولا سيما من نحوكم. ٢ كورنثوس ١ : ١٢ " .



اما الضمير ـ هذه القوة الحاكمة ـ فقد يكون صالحا ملتصقا بالخير ، وقد رأينا كتاب الله المقدس يحدثنا عن الضمير الصالح مرات عديدة ، ويؤيد انه قوة كافية لردع النفس عن الخطيئة ( اعمال ٢٣ : ١ ) ، ورسالة بولس الاولى الى تيموثاوس ( ١ : ٥ ) ، ورسالته الى العبرانيين ( ١٣ : ١٨ )، وقد يكون الضمير شريرا ، فليس فقط لا يردع النفس عن الخطيئة ، بل ويحرضها عليها ايضا ، لضعفه وانجرافه وراء اللذة العابرة . قال الرسول بولس في الذين يسمحون لأنفسهم تناول ذبائح الاوثان " ولكن ليس العلم في الجميع ، بل أناس بالضمير نحو الوثن الى الآن يأكلون كأنه مما ذبح لوثن، فضميرهم إذ هو ضعيف يتنجس (١كو ٨ : ٧ ) " ، وقال ايضا عن الضمير السيء كُلُّ شَيْءٍ طَاهِرٌ لِلطَّاهِرِينَ، وَأَمَّا لِلنَّجِسِينَ وَغَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَيْسَ شَيْءٌ طَاهِرًا، بَلْ قَدْ تَنَجَّسَ ذِهْنُهُمْ أَيْضًا وَضَمِيرُهُمْ" (رسالة بولس الرسول إلى تيطس ١: ١٥ ) " .
غير ان الضمير الشرير لا يبقى شريرا الى الابد فقد يثوب الى رشده ويعود الى عمله حسب تعليم الكتاب المقدس ، فانه يؤيد ان الضمير قد ينام او ينحرف احيانا ولكنه يستيقظ ويعود الى العمل . قال الرسول بولس "لِنَتَقَدَّمْ بِقَلْبٍ صَادِق فِي يَقِينِ الإِيمَانِ، مَرْشُوشَةً قُلُوبُنَا مِنْ ضَمِيرٍ شِرِّيرٍ، وَمُغْتَسِلَةً أَجْسَادُنَا بِمَاءٍ نَقِيٍّ."( عب ١٠ : ٢٢ ) .
ان يقظة الضمير ممكنة جدا ، لاسيما لأن فيه قوة نزاعة الى الخير ، كما نجد بالقوة البهيمية ، غريزة ملحة للهبوط نحو الشر ، فيستيقظ يقظة روحية ، بعد رقاد طويل او قصير ، ويعود الى عمله أشد مضاء واكثر حرارة وقد شهد رسول الامم على ذلك بقوله "فكم بالحري يكون دم المسيح الذي بروح ازلي قدم نفسه للّه بلا عيب يطهر ضمائركم من اعمال ميتة لتخدموا الله الحي " عب ٩ : ١٤ .
واذا صحا الضمير ، بعد اصطدامه بصخرة الحق ، فحينئذ يعود الى التبكيت كما يخبرنا الانجيل المقدس ، عن الذين رأوا خطاياهم مكتوبة امامهم ، "واما هم فلما سمعوا وكانت ضمائرهم تبكتهم خرجوا واحدا فواحدا " يوحنا ٨ : ٩ .

[center]" يتبع في النقطة الخامسة "[/center]

تلميذة المطران
مراقب عام
مراقب عام
مشاركات: 114
اشترك في: الخميس إبريل 28, 2011 11:53 am

Re: ماهي الحكمة في الاعتراف

مشاركة بواسطة تلميذة المطران » الخميس يونيو 21, 2012 11:23 am

٥ ـ عذاب الضمير تجاه الخطيئة : ـ النور والظلام لا يتمازجان ، والضمير الصالح والخطيئة لا يجتمعان ، فما يكاد الضمير يشعر بالخطيئة تدنس طُهر النفس وقداستها ، إلا ويثور ثائره ، ويعلن عليها حربا طاحنة ، لا هوادة فيها حتى تنتهي المعركة بأنتصاره واندحارها . ان النفس التي تنجرف وراء اهوائها وتهبط الى الحضيض بواسطة قوتها الاولى المسماة " القوة الفاعلة " ، تقترف جناية عظمى بالنسبة الى الضمير ، لذلك يحترق الضمير بنار لاهبة ، فيستولي عليه القلق الشديد ، وكثيرا ما يمرض الانسان متأثرا من السهام الجارحة التي يسددها نحوه ضميره .
تامل قضية قايين بعد ان قتل هابيل اخاه فقد ثار عليه ضميره واصلى نفسه بناره اللاهبة ، فشعر بكل ذلك في قرارة نفسه واحس ان الذنب يثقل ضميره المخضب بدم اخيه البريء. قال الكتاب : " فقال الرب لقايين ، اين هابيل اخوك ؟ فقال لا اعلم أحارس انا لأخي ، فقال ماذا فعلت صوت دم اخيك صارخ الي من الارض ، فلآن ملعون انت من الارض التي فتحت فاها لتقبل دم اخيك من يدك متى عملت الارض لا تعود تعطيك قوتها ، تائها وهاربا تكون في الارض ( تكوين ٤ : ٨ ـ ١٢ ) .
هنا شعر قايين بعظم جرمه فثار ضميره النائم وشرع يعذبه عذابا اليما ، فعلم ان ذنبه لا يحتمل ، يتابع الكتاب قوله : " فقال قايين للرب ذنبي اعظم من ان يحتمل ، انك قد طردتني اليوم عن وجه الارض ومن وجهك اختفي واكون تائها وهاربا في الارض ، " ( تكوين ٤: ١٣و ١٤ ) .
انك تجد في هذه الحادثة تاثير الضمير في النفس الخاطئة ، فقايين المجرم يسير في الارض تائها وهاربا لا لأن طاردا يطارده بل لان صوت ضميره يصرخ في اعماق نفسه معلنا عظم جرمه وكبر خطيئته ، وهذا ما يؤيد الكتاب ابضا بقوله : " الشرير يهرب ولا طارد ، أمثال ٢٨ : ١ " ، وكذلك قال داود النبي ، فبعد ان كلمه ناثان عن الجور والاغتصاب وافهمه انه الجائر المغتصب ثاب الى رشده ، فاستيقظ ضميره بعد رقاد طويل ، وشرع يؤنبه ، فصرخ من فوره " قد اخطات الى الرب "( ٢ صموئيل ١٢ : ١٣ ) وقذف صدره المتاجج ذلك المزمور الخشوعي الدال على عظم يقظته النفسية وصراخ ضميره في قرارة نفسه قال " اغسلني كثيرا من اثمي ومن خطيئتي طهرني ، لأني عاف بمعاصي وخطيئتي امامي دائما " مزمور ٥١ : ٢ و ٥ .
ومثله بطرس التلميذ الذي انكر سيده سمع صراخ الضمير وتانيبه " فتذكر بطرس القول الذي قاله له يسوع ، انك قبل ان يصيح الديك مرتين تنكرني ثلاث مرات فلما تفكر به بكى ، مرقس ١٤ : ٧٢ " ، واما متى فيقول : " فخرج الى خرج وبكى بكاء مرا ، متى ٢٦ : ٧٥ " ، ومثله يقول لوقا : " ٢٢ : ٦٢ " .
وكذلك شعر يهوذا الاسخريوطي بعظم جرمه وسمع صوت ضميره يمطره وابلا من السهام المؤلمة ، يقول الكتاب : " حينئذ لما راى يهوذا الذي اسلمه انه دين ، ندم ورد الثلاثين من الفضة الى رؤساء الكهنة والشيوخ ، قائلا قد اخطات اذ سلمت دما بريئا فقالوا ماذا علينا انت ابصر فطرح الفضة بالهيكل وانصرف ثم مضى وخنق نفسه ، متى ٢٧ : ٥٣ " .
هذه هي مآتي الضمير في اعماق النفس البشرية ، وهذه صرخاته المدوية عند سقوطها في مهاوي الخطيئة ، فهو صوت الله في الانسان ، يوقظه كلما خمدت قواه الروحية واستسلم لغرور الدنيا .
الا ان لهذا الضمير بالنسبة الى الخطيئة حالتين في الاولى يدفع النفس الى الياس والقنوط ، فيقذفها اولا ، امر العذاب ، ثم يهبط بها الى الهلاك فالانتحار كما حدث لقايين ، الذي عاش هائما على وجهه ، هاربا في الارض " تك : ٤ : ١٣ و ١٤ " ، ويهوذا الاسخريوطي الذي مضى وخنق نفسه " مت ٢٧ : ٣ و ٥ " ، وفي الحالة الثانية يعود بالنفس الى الصواب فيؤدي بها الى طريق النجاة والحياة كما حدث لداود النبي " ٢ صموئيل ١٢ : ١٣ " ، وبطرس الرسول " مت ٢٦ : ٧٥ " .

[center]" يتبع في النقطة السادسة "[/center]

تلميذة المطران
مراقب عام
مراقب عام
مشاركات: 114
اشترك في: الخميس إبريل 28, 2011 11:53 am

Re: ماهي الحكمة في الاعتراف

مشاركة بواسطة تلميذة المطران » الخميس يونيو 21, 2012 11:25 am

٦ ـ حاجة الضمير الى التخلص من الخطيئة
عندما يكتشف الضمير سقطة النفس بالخطيئة ويتألم ، يعود الى ذاته ، فيرى في أعماقه حاجة ملحة الى التخلص من الخطيئة ، فيثور ثائره ، ويشرع في البحث عن اسهل الطرق لذلك ، وبما ان هذه الخطيئة هي موجهة الى ثلاث وجهات معروفة وهي : الله ـ ونفسه ـ والقريب ، كان لا بد له ان يعوض لهذه الوجهات الثلاث عن جريرته ، أما الله فهو فاحص القلوب ، وعالم بالخفايا ، ولا حاجة الى التعويض بالنسبة اليه ، لانه تعالى يستطيع ان يأخذ حقه من الانسان الخاطيء في اي وقت شاء ، واما نفسه فقد اخذت منه حقها بواسطة عذاب الضمير ، الذي ارقها وحرقها مدة طويلة ، اما القريب فبماذا يجب ان يعطي حقه بالنسبة الى الخاطيء والخطيئة ؟ ذلك لا يمكن إلا بطريقة واحدة ، وهي الإقرار بتلك الخطيئة ، وحمل أعباء الإقرار بها ، ودفع التعويضات المترتبة عليه من الذي يقر امامه ، وبواسطة ذلك تشفى النفس من أدران الخطيئة ، بعد ان يكون الضمير قد ألقى عن كاهله حملها الثقيل .
ان شعور الضمير بالحاجة الى التخلص من الخطيئة يهون أمامه كل شيء ، في سبيل الخلاص ، ولكنه يختار أهون الامور لكي يتخلص من عذابه ، فاهون شيء هو إفضاء مكنونات صدره وسكبها في قلب آخر ، يستطيع حملها عنه ، وإلقاءها عن كاهله ، كما يحمل الصديق أعباء جرائر صديقه ، فيسكب في قلبه العزاء ويحوله الى وجهة جديدة ، بعيدة عن مهاوي الزلل ، ومزالق الخطأ .
عندما يتنبه الضمير الى هذه الناحية " الاقرار " ، ويتأكد انها الطريق الوحيد لخلاصه من عذابه الأليم ، يهرع الى " الصديق " ، لكي يفضي له بمكنونات نفسه المعذبة كما يهرع الضمآن الى المورد العذب ، ولا يهمه ، أكان ذلك " الصديق " بعيدا ام قريب .

[center]" يتبع " في النقطة السابعة[/center]

تلميذة المطران
مراقب عام
مراقب عام
مشاركات: 114
اشترك في: الخميس إبريل 28, 2011 11:53 am

Re: ماهي الحكمة في الاعتراف

مشاركة بواسطة تلميذة المطران » الخميس يونيو 21, 2012 11:29 am

٧ ـ الأعتراف وأثره في الضمير ، وأثر التشجيع في النفس اليائسة .
اذا كان الخاطيء الذي يعذبه الضمير المستيقظ من سهامه المؤلمة ، يشبه الضمآن الى ورد عذب وليس له غير الإقرار والاعتراف ، من طريقة للتخلص من صرخات الضمير ، فيكون للأعتراف أثر عميق صالح بالنسبة الى الضمير ، فبعد ان يشعر بثقل الخطيئة ، ويقرر الخلاص منها لينال شيئا من راحة ، بعد عناء طويل ، يهرع الى " صديق الاعتراف " ، فيجثو أمامه ، كما يجثو الأبن أمام ابيه ، أو التلميذ الصالح امام أستاذه الحكيم ، فيشرع بتقديم " جدول او عريضة " ، ضد نفسه المخضبة بدم الخطيئة ، وهو ينتظر يدا مشفقة ، ترفع عن كاهله اعباء نفسه المتعبة ، لكي يهدأ روعه ، وينال حاجته من الراحة بعد قلق طويل .
هنا في هذه اللحظات ، النفس ـ والخطيئة ـ والضمير ، في صراع هائل ، فالنفس المتعبة لازالت بين نارين ، نار تشعرها بعذوبة الخطيئة ، ونار حامية ، من لذعات الضمير والخطيئة تعتلج في صدر النفس ، تتمسك في وكرها المحبوب ، لا تريد مغادرته ، مدحورة ، مغلوبة على أمرها ، والضمير ملذوع يتلظى ، يريد لحظة الخلاص من نار الخطيئة وبشاعتها ، وما تزال الحرب قائمة على قدم وساق ، حتى تخرج الخطيئة متعثرة بأذيال الفشل والخيبة ، فتسحب كل قوتها ، وتغادر النفس آسفة ، تخرج من باب في النفس ، يفتحه لها الضمير ، فتدخل النعمة والغفران من نفس الباب " حيث كثرت الخطيئة ازدادت النعمة جدا ( رو ٥ : ٢٠ ) .

إن غضبة الضمير الهائلة لها اسباب نفسية كثيرة ، أهمها انه يشعر بالبعد عن الله ، وهذا ما يؤلمه جدا ، ولا سيما اذا كان يقظاً ، صاحياً ، فيريد الهرب من الخطيئة كما يريد الملسوع الهرب من الحية الرقطاء ، فيعلم يقيناً ان ذلك يقربه من الله ، ويشفي لسعة الخطيئة التي آلمت نفسه وجعلتها هدفا للسهام الجارحة .
إن إفضاء الخاطيء بخطيئته أمام ابي الاعتراف ، فيه فوائد نفسية عظمى ، أهمها ان هذا الاب يمثل صديقا صدوقا بالنسبة الى الخاطيء ، ومن لا يرتاح ليفضي الى صديق كهذا بما يخالج نفسه من الشعور ، وما يؤلمه من الشرور ، وعند الإفضاء ، يشعر براحة ، فيُشبه رجلا ألقى حملا ثقيلا عن كاهله وهذا ما فهمته الكنيسة المسيحية منذ القدم ، فجعل ابو الاعتراف صديقا للمعترف ، يتألم لالآمه النفسية ويشعر بشعوره ، ويلهمه الشجاعة للهرب من الخطيئة والاعتصام بالتوبة التي تقربه من الله ، بل إنما بابي الاعتراف طبيبا نفسيا يقدم النصائح الكافية للمعترف ، فيمهد له الطرق الصالحة للتخلص من مآتيه السابقة والرجوع الى حضيرة الله او بعبارة اخرى يقدم له أنجع العلاجات النفسية ، لشفاء نفسه المعذبة بوخزات الضمير ، بسهام الخطيئة ولكن على شرط ان يفضي المعترف امامه بكل شيء يخالج نفسه من الالم وغيره .
قال القديس اغريغوريوس النوسي في خطابه للذين يدينون الغير على خطاياهم : " اسكبوا قدامي دموعا حارة وغزيرة ، وانا اعمل معكم هذا العمل بعينه ، خذوا خادم الكنيسة " الكاهن" ، شريكا امينا لكم في حزنكم ، وابا روحيا ، واكشفوا له اسراركم بجرأة اعظم ، اكشفوا له اسرار نفوسكم كما يكشف المريض جراحه الخفية للطبيب فتنال الشفاء ".
هذا ما فهمته الكنيسة منذ أقدم عصورها ، ان اب الاعتراف " شريك امين " للخاطيء في احزانه ، واب روحي يعينه على القيام من سقطة الخطيئة ،والتقدم الى الله طاهرا ، وطبيب روحي يجب ان نكشف امامه اسرار النفس ، كما تكشف الجروح الخفية امام الطبيب ، وبهذا ينال الشفاء النفسي فيهدأ روع الضمير ويزول اضطرابه .
ان اثر ذلك عظيم ، في راحة الضمير واطمئنانه ، ولا سيما اذا كان صادقا في توبته ، مقررا القرار النهائي ، ان يعود الى سواء السبيل ، ويتحد بالخير ، وأعظم شيء يؤثر في راحة الضمير ، هو التشجيع الذي يلقاه من ابي الاعتراف ، هذا التشجيع الذي يدفعه الى صدق القاء عبء الخطيئة عن كاهله ، وبعد ان يفعل ذلك ، حينئذ يشعر بالراحة والطمأنينة ، ولا سيما عند نواله العلاجات النفسية الكافية من معلم الاعتراف .

[center]" يتبع في النقطة الثامنة والاخيرة من بحث ملفاننا الكبير " ما هي الحكمة في الاعتراف "[/center]

تلميذة المطران
مراقب عام
مراقب عام
مشاركات: 114
اشترك في: الخميس إبريل 28, 2011 11:53 am

Re: ماهي الحكمة في الاعتراف

مشاركة بواسطة تلميذة المطران » الخميس يونيو 21, 2012 11:31 am

٨ ـ شعور الضمير بالغفران والقرب من الله
ان الضمير بعد إلقاء عبء الخطيئة ، يثوب الى رشده ، فيشعر براحة تامة ،ويعود الى صفائه كما تعود البحيرة الى هدوئها بعد الزوبعة ، فيتصور أمامه الغفران الحقيقي الذي ناله لأنه قرر في ذاته عدم السماح للنفس بالرجوع الى بؤرة الخطيئة ، وأعد العدة لذلك لكي ينبهها كلما اجتذبتها القوة الفاعلة الى الحضيض .
ثم بعد ذلك يشعر بالقرب من الله ، لانه تَطهر من أدران الخطيئة ، فهدأ روعهُ وزال اضطرابه ولنا أمثال كثيرة على ذلك في الكتاب المقدس ، أهم ذلك ، داود النبي ، بعد سقطته وقيامه ، فنسمعه يرسل هذه العبرات " أغسلني فأبيض أكثر من الثلج ، اسمعني سرورا وبهجة فتبتهج عظام سحقتها ، مزمور ٥١ : ٨ " . وهذا يدل دلالة صريحة على عذابه من سقطته ، ثم " تبتهج عظامه المنسحقة " ، بعد نوال الغفران وراحة ضميره ، وهذا ما أصاب بطرس ايضا بعد ان " بكى بكاء مرا ، متى ٢٦ : ٧٥ " ، وهذا ما يحدث لكل خاطيء يتوب توبة نصوحا ، فيرتاح ضميره ويرجع الى حالته العادية .

أضف رد جديد