جرش

أضف رد جديد
تلميذة المطران
مراقب عام
مراقب عام
مشاركات: 114
اشترك في: الخميس إبريل 28, 2011 11:53 am

جرش

مشاركة بواسطة تلميذة المطران » السبت يونيو 09, 2012 11:43 am

جرش
كتبها بالانكليزية
الاستاذ ج لانكستر هاردينغ مدير الآثار القديمة بالوكالة
عربها خصيصا للضاد ـ غريغوريوس بولس بهنام مطران الموصل وتوابعها


هناك في واد هاديء بعيد ، تربض خرائب جرش ، تلك المدينة العظيمة القوية . وهي ديكابوليس ( Deccaplis ) نفسها ، التي قاومت الزمن مقاومة شديدة وبقيت وحدها ماثلة بينما عفت آثار بقية المدن المجاورة لها امثال غدارة وفيلادلفية ، وانك لتستطيع ان تجد شوارعها الى الآن كانها في ايامها الاولى والجبال تحف بها .
كانت جرش ، المثل الاعلى الوحيد للمدينة الرومانية العظيمة ـ ذات مظهر فتان زاد في ذلك المكان روعة وبهاء ، فكنت تراها رابضة في واد جميل يسير بخيلاء يمينا وشمالا ، وفيه جدول ابدي الانسياب في وسطها ، وجانباه يستظلان بغابة كثيفة من اشجار الجوز والحور يمنح تلك المنطقة اخضرارا وبرودة ايام الصيف القابضة حيث تصبح التلال المحيطة بها قاحلة جافة داكنة ، وفي جنوبها ترتسم التلال بعيدة جدا كما يمكنك مشاهدة قرية صويلح في الخيط الافقي البعيد .
في الموقع الذي يبعد عن عمان زهاء ساعتين تظهر صويلح وتبعد قليلا عن الموقع الذي تربض فيه " مفرق " ، وفيه يمر الطريق الرائع الجميل الذي يتمايل بين الجبال ويمر فوق نهر الزرقاء او هي يابوق ( ١ ) المذكورة في الكتاب المقدس المتاخمة لغابة السنديان الخالد الذي يغطي تلال عجلون ، واخيرا يمر بزاوية جميلة حيث ترى فيها بقايا قوس نصر كان هناك ، والطرف الثاتي يظهر جزءا من الصحراء الشرقية الممتدة بين الزرقاء ومفرق ، الا انه ليس ظاهر تماما .

وتاريخ جرش يرتقي الى عصور ما قبل التاريخ ، وفي الجهة الشرقية من قوس النصر هذا ، ظهرت آلات صوانية برهنت على ان مستعمرة هامة اسست في هذا المكان في العصور الحجرية ، وخارج الجدران ، نحو الشمال كانت هناك قرية صغيرة في العصر البرونزي حوالي سنة الفين وخمسمائة ق. م ، وفي اعلى التلال تجد بقايا رجمات عالية من الحجارة من العصر الحجري الحديث .
لا يوجد الآن اثر يدل على ان احتلالا وقع على هذه البقعة اثناء العصرين البرونزوي او الحديدي ولكن هناك مستعمرات منتشرة حول المدينة الرومانية ، والتي ظهرت ثم اختفت اثناء تقلصها ، وكانت توجد هناك عدة مستعمرات متجاورة في الدور الحجري ، ومناطق عديمة المثل مزودة بالماء الغزير كما هي الحالة في جرش والتي هي باقية الى الان .
لم يعرف تماما كيف حدث الانقرب التطوري الى الحالة الحاضرة ، والشيء المعروف ان هذه المدينة كانت تسمى يوما ( انطاكية كريسورهورس Chrysorrhoas ) وهذه تعني ( نهر الذهب ) ، متخذة اسمها من الجدول الجميل الذي لا زال ينساب في شرقي خرائبها ولكن اسم " انطاكية " يدل بوضوح على ان احد ملوك السلوقيين الذين سموا ( انطيوخس) هوز الذي احال تلك القرية الصغيرة الى هذه المدينة العظيمة ، ربما يكون انطيوخس الرابع في مطلع القرن الثاني ق.م ، وتجد النقوش والخطوط بادية على بعض الانقاض تظهر بوضوح ان هناك سيلا من التقاليد في كيفية تأسيس المدينة بعضها ينسب ذلك الى الاسكندر الكبير وبعضها الى القائد برديكاس Perdiccas ) .
في القرن الرابع ق.م ، ويظهر بعظها ان العمل فيها اكمل بواسطة بطليموس الثاني ( ٢٨٥ ـ ٢٤٦ ق .م ) حيث حول عمان الى فيلادلفيا المدينة الهيلينية وربما ، بل من المحتمل ان كل وزاحد من هؤلاء له اصبع في انمائها ، وذلك ان ظهور جرش واستحالتها من قرية حقيرة مؤلفة من بضعة اكواخ طينية ، الى مدينة هيلينية جميلة ، يدل دلالة واضحة على ان كل واحد من هؤلاء الحكام كان له نصيب في ذلك .
اننا نجد الاشارة التاريخية الاولى على جرش في نهاية القرن الثاني المسيحي ذكرها يوسيفوس المؤرخ اليهودي في المكان الذي نقل تاودورس الطاغية كنزه ليحفظه في هيكل زوس ، الذي كان حينئذ معبدا مقدسا لا يجوز اقتحامه ، وذلك في طريق عودته من مدينة ( غدارة ) ولكنه بعد ذلك حالا فقد جرش اذ احتلها منه الكسندر جانوس Alexander Gannneus ) الحاكم ورئيس الكهنة اليهودي ( ١٠٢ ـ ٧٦ ق.م ) ويظهر انها بقيت بيد اليهود حتى مجيء بونبيوس وزلا شك ان نصيبها كان الالم والتدمير بسبب الفتن والحروزب التي ثارت حولها ابان الحكم اليهودي الحقير ، وفي سنة ٦٣ م كان بونبيوس قد احتل الشرق الادنى وقسمه الى ولايات ، فكانت جرش وما يجاورها تابعة للولاية السورية .
هذه كانت نقطة التحول في تاريخ المدينة فبلغت اوج المجد في حياتها بما استمدته من المدنية الغربية لان جميع تواريخها كتبت في عهد بونبيوس ، وجميع المدن الهيلينية تمتعت بحقوقها الكاملة في عهد هذا الحاكم نفسه . وهذه الحقوق كانت تنظوي تحت نظام بونبيوس وتمتعت جرش اسوة بغيرها بهذه الحقوق كلها ، وفي الفترة الرومانية من تاريخها نالت حالا حقوق المدن الحرة وعرفت باسم ديكابوليس Decapolis ومنذ ذلك الحين وحتى منتصف القرن الاول المسيحي تمتعت جرش بعهد استقرار وسلام ، وكانت لها تجارة واسعة رابحة مع الانباط في هذه الفترة . ووجدت قطع كثيرة من النقود وتعود الى الملك ارتاس الرابع Artas IV ولكن قبيل هذه المدة كان النفوذ النبطي قد لعب بعض ادواره في جرش ، لذلك تجد حجارة كثيرة نحتت على الطريق النبطية ، تبين ان طريقتهم هذه في النحت والعمارة كانت مستعملة في هذه المنطقة ، وهناك كتابات غير مقروءة باللغتين النبطية واليونانية وكتابات تشير الى هيكل ( الاله الاقدس ) باكيداس palcidas الإله العربي ، ويمكننا الاستنتاج ان هذه الاحرف تشير الى دوشارس Dushares الاله النبطي وتهم جدا بان تشير هذه الكتابات اليه ، وان حجارة ال crowstep تجدها مبنية على نفس الطريقة ، وذلك ايضا في الكاتدرائية والينبوع الملكي .
ومن المعلوم اننا نجد هيكلا قديما مبنيا تحت الكاتدرائية ومن المحتمل كثيرا ان يكون هيكل الاله العربي ، وقد بني على انقاض هيكل ديونيسيوس Dionysyuis ‪. ‬

هناك كتابات اخرى بجوار الفوروم forum وهيكل زوس تُظهر لنا ان في القرن الاول وربما الثاني قبل الميلاد ، وسعت المدينة اعتبارا من هيكل زوس الى المنطقة التي بنيت فيها الكاتدرائية فيما بعد ، وهناك رأي آخر يؤيد انها وصلت الى المنطقة التي كان فيها هيكل ارتاميس ، وبعد هذه المعلومات ، ليس لدينا شيء عن المدينة في العصور السابقة للمسيحية .
من المعروف ان في هذه المدة جمعت المدينة ثروة طائلة ، وعلى الاخص في اواسط القرن الاول المسيحي ونجدها بعد ذلك تتقدم تقدما باهرا في فني البناء والتجميل ، وتحوز تصميمات رائعة من الناحية العمرانية ، وكان شارعها الرئيسي محاطا من كلا جانبيه بالعواميد الجميلة ، وفيها شارعان آخران يخترقانها من الشمال الى الجنوب وعلى جانبيها كذلك الاعمدة الرائعة ، ولم تتبدل حالتها هذه الى ايامها الاخيرة ، والكتابة التي وجدت على الباب الشمالي الغربي منها تظهر ان سورها الخارجي ، اكمل بين سنتي ٧٥ و ٧٦ م ، وهذا ما حدَ نوعا ما من توسع المدينة اكثر ، وبوشر ببناء هيكل جديد للاله زوس سنة ٢٢ ـ ٢٣ م ، وكان في طريق البناء حتى سنة ٦٩ ـ ٧٠ م ، زكان السكان يسعفون بناءه بهدايا غنية وافرة ، وهم فخورون بهذه الهبات والهدايا بغية تزيين المدينة .
وشيدت في الوقت نفسه بالاضافة الى ذلك الهيكل ، دار التمثيل theater ، وكان هيكل ارتاميس رائعا جدا برواقه الشاهق المار بين الاعمدة ، وكانت تتوسطه بركة واسعة ، وكان هذا المعبد مهم جدا ، وقد شيده الامبراطور طيباريوس ، وبالحقيقة كان هذا المكان فقيرا جدا بالفن والصناعة ، فبلغ فيهما درجة عالية بحيث لم يُشاهد مثله قبله ، ولم يحدث بعده .
حدث هذا النشاط المنقطع النظير ، واخذ بالازدياد منذ القرن الثاني ، عندما وسع الامبراطور تراجان حدود المدينة ، فاكتسح مملكة الانباط سنة ١٠٦ ق .م ، وفتح طرقا جميلة هامة ، فتراكمت التجارة بالاكثر على المدينة وجمعت ثروة اخرى طائلة ، ونقضت بعض الابنية الهامةالتي ذكرناها سابقا ، واعيد بناؤها بروعة اعظم ، وكان احدها الباب الجنوبي الذي اعيد بناؤه سنة ١١٥م ، وفي كل سنة كانت الاعياد الصاخبة تقام فيها باحتفال عظيم ، ويخبرنا الكتاب عن سخاء عظيم قام به احدهم وهو تيتوس فلافيوس كيرينا Titus Flavius Quirina ، وقد اولم ولائم عظيمة للغلبة والانتصار .
وبني ايضا حمامان عظيمان لم يشاهد السكان الرومانيون اعظم منهما ، ولا اكثر ملائمة لهم في اية فترة من الزمن وكانا اعظم من الحمامات التركية الشهيرة .
وقام الامبراطور هدريان بزيارة شخصية لهذه المدينة ومكث فيها سنة ١٢٩ ـ١٣٠ م ، وكانت زيارته شهادة كافية لعظم الابنية وروعتها ، واقيم قوس النصر للاحتفال بزيارته هذه ، ويظهر انه من المحتمل اقامة القوس في هذه البقعة ، كان القصد منه توسيع المدينة الة حده ، وقد تركت اطرافه مسننة ليتصل به البناء ، ولكن المشروع اهمل حالما ترك تراجان المدينة ، وحصر الاهتمام في وسطها .
كانت هذه الفترة العصر الذهبي للمدينة ، حيث اقيمت فيها اعظم الابنية واروعها ، فرسمت خطة ضخمة للبناء والعمران ، اهمها توسيع الشارع العظيم المار من الفوروم Forum الى هيكل ارتاميس ، واقامة العواميد الايرنية الضخمة على جانبيه على الطراز الكورنثي .
دشن هيكل ارتاميس والابنية المجاورة له من الجهة الشرقية، وبوابته الكبرى سنة ١٥٠ م ، وهيكل زوس اقيم سنة ١٦٣م وهيكل نيمفايوم nymphaeum سنة ١٩١م ، وهيكل نيميس Nenemesis ـ وقد تلاشى الآن ـ كان قد بني خارج البوابة الجنوبية تماما ، وهيكل آخر لزوس ابيكاربوس Epicarpus K الذي يشرف على الوادي . بني بواسطة احد القواد الرومانيين . وهناك كتابات كثيرة في هذه الفترة سجلت احتفالات السكان بتدشين المذابح والانصاب والتماثيل ، وذكرت كتابات اخرى ان كهنة كثيرين كانوا يقيمون العبادة للامبراطور الحي ، وكان هناك معابد لزوس هيليوس Helios ، سيرابيس Sayapis ، وزوس بوسيدون Poseidon ، وابسيس رابولو ، وديانا ، وبعضها كانت تسمى باسماء بعض الحكام والولاة والموظفين الكبار ، وغير ذلك من الشخصيات العسكرية .
بلغت جرش قمة المجد واجتازتها بسرعة في القرن الثالث الميلادي ، حيث رفعت الى درجة المستعمرة ، غير انها هبطت من حالق عليائها بعد ذلك . واستمرت بين صعود وهبوط مدة من الزمن حتى وصلت الى الحضيض تدريجيا .وكانت متعلقة بحالة الامبراطورية الرومانية ، والهوة التي هبطت اليها جرش ، كانت سحيقة جدا ، فلم تشيد فيها ابنية جديدة ذات طراز مرموق ، وبالحقيقة كنا نرى في نهاية هذا القرن النحت والنقش مهملين ، غير مستعملين في البناء ، وكان خراب بلميرا ( تدمر ) ، وتوسع الدولة الساسانية في العراق ذا تأثير عظيم في تعطيل الطرق التجارية ، وهمود حركة التجارة في الشرق كله ، فكانت المدن امثال جرش في جميع التخوم الشرقية ، تتساقط دفعة واحدة ، وبضعف القوة الرومانية ، كنت ترى القبائل العربية المغيرة تعبث بالامن وتشوشه ، ولكن في حكم ديوقلطيان كان الساسانيون قد غلبوا ، وفي هذه الاثناء كانت جرش تحتفظ بابنية عادية من نوع متساو ، وعلى الاخص في الطرف الجنوبي . وكان متساوي الابنية ، ينحدر بصورة تدريجية حتى بلغ في ايامه الاخيرة الى ما يشبه الطراز البيزنطي المتاخر ، وفي هذه الحقبة تجد كتابات واعمدة واقواسا عملت جديدة تشبه تماما النوع المتاخر .
في اواسط الفرن الرابع كانت في جرش جماعة مسيحية كبرى ، وكانت الكاتدرائية الكبرى ، ونبع الماء الملكي في اوج عزهما ، حتى ان الكاتب ابيفانيوس ذكر ان معاصريه شربوا من ذلك النبع ، وذكر ان ماءه كان يتحول خمرا ، كل سنة ، يوم ذكرى اعجوبة قانا الجليل ، اما المدينة نفسها فنجد لها تاريخا ضئيلا من بقايا القرن الرابع .
والكتابات الاثرية معدومة تقريبا ، فلم نجد الا اشارة مقتضبة تروي بان مسيحي جرش ، مثلهم في مجمع سلوقية سنة ٣٥٩ الاسقف اكسيريوس Exeyesius ، ومثلهم في مجمع خلقيدونية سنة ٤٥١ الاسقف بلانكوس Plancus .
وفي هذه الحقبة كانت المسيحية هي الديانة الاكثر انتشارا في المدينة ، وفي سنة ٤٤٠ ـ ٤٤٢م انشأت بعض الاصلاحات في المدينة وتحصيناتها ، وبنيت كنيسة الانبياء والرسل والشهداء سنة ٤٦٤ الى ٤٦٥ ، وكنيسة القديس تاودور سنة ٤٦٤ ـ ٤٦٦ ، ورمم ايضا نبع الماء المعروف بالنبع الملكي .
ابان حكم يوستنيان ( ٥٣١ ـ ٥٦٥ ) حدثت حركة عمرانية هامة ، فقد بنيت في هذه الفترة لا اقل من سبع كنائس في جرش ، وسجلت الكتابات الاثرية تشييد ابنية عمومية اخرى معاصرة لهذه ، كما ذكرت انتعاشا محسوسا في الطقوس الوثنية واعيادها نحو سنة ٥٣٥ ، وقد جرت بعض التنقيبات في اطلال الكنائس القديمة فظهرت فيها وفي الابنية المجاورة لها فكرة واضحة عن حياة تلك الحقبة ، ومن مقابلة هذه النصوص لغيرها نستطيع استنتاج درجة الترف والجمال التي بلغتها المدينة عصرئذ ، وجميع اللقى التي ظهرت تعبر عن الجمال والفن الرفيعين ، فالمرمر اللماع والفسيفساء الجميلة الملونة ، والنقوش الجذابة التي كانت تزين جدران الكنائس كلها وليدة هذا العصر .
كما كانت اهم الزخارف الفائقة الجمال تظهر الابنية المجاورة للكنائس وتجاري طرازها البنائي ، وكانت النساء بثيابهن الزاهية تزدحم امام الحوانيت والمخازن ، وتدخل زرافات الى الكنائس وتخرج منها ، حاملات العقود النفيسة المرصعة بالحجارة الكريمة والمتدلية بالسلاسل الجميلة ، مزينات بالاقراط الذهبية ، وانواع الحلي ، وكانت بعضهنيحملن انواعا اخرى من الحلي البلورية والمعدنية المماثلة لها ، والمطرة بالذهب بطريقة بديعة الصنع ، الامر الذي كان يظهر الحياة رائعة الجمال ، خالية من الحزن والكآبة ، وبنيت بعض الحمامات الجديدة بواسطة الايقف بلاكوس ، مقابلة لأحد أبواب كنيسة القديس تيودور لاستعمال رجال الكنيسة ، وربما كان ذلك للدلالة على التطهير من ادران الكفر والوثنية . وكان للمرتلين ناد خاص يقابل تماما للطريق المؤدي الى الكنيسة ، وكان لرجال الاكليروس مساكن فسيحة مريحة ملاصقة للكنيسة .
كل هذا الجمال الرائع كان منحصرا في الابنية الجديدة وعلى الاخص الهياكل . اما المعابد الوثنية ، فكانت قد اضمحلت مباهجها واعيادها ، واحيلت الى كنائس او نقلت حجارتها ونحتت من جديد لبناء الكنائس ، والقصر الملكي الجميل الخاص بهيكل ارطاميس استعمل كبناء لاحراق الخزف .
وآخر كنيسة نعرفها الآن بنيت بهمة الاسقف جينوس Genesius سنة ٦١١م ، وكانت غزوة الفرس سنة ٦١٤م ، بداية النهاية لمدينة جرش . والبقية الوحيدة الباقية بعد هذه الغزوة هي الاعمدة القائمة في الهيبودروم Hippodrom في خارج البوابة الشمالية لساحة الملعب تماما ، وجائت الفتوحات الاسلامية حوالي سنة ٦٣٥ ، فاكتسحت المدينة ، وأتمت أحتلالها ، وشرعت تتقلص حتى عادت الى مساحتها الاصلية ، ثم جاءت سلسلة من الزلازل الكبرى ، فهدمت كثيرا من الكنائس والابنية ، ولم يستطع احد ان يعيد بناءها او ترميمها ، فتركت مهدمة تماما كما كانت ، وكنيسة القديس تيودور هي اعظم مثل على ذلك ، وبعد مدة قليلة ، هجرت المعابد تدريجيا ، وكانت بعض الكنائس لا زالت مستعملة سنة ٧٢٠م ، عندما اصدر الخليفة يزيد الثاني امره باتلاف جميع الصور والتماثيل البرونزية والخشبية والحجرية في جميع انحاء مملكته ، وتظهر اعمال الاتلاف هذا في بقايا الفسيفساء الباقية في ارض الكنائس ، كما يشاهد في كنيسة القديس يوحنا المعمدان ، وهي واضحة ايضا في الكنيسة الملاصقة لكنيسة القديسين قوزما ودميانا ، التي تظهر بقاياها كانها محترقة ، ولكن بقيت الفسيفساء ، لحسن الحظ سالمة .
هذه اهم الامور المعروفة الى الآن عن جرش ، ودلت التنقيبات ان مساحة الفوروم والملعب كانت سالمة الى اواخر القرن الثامن . ولكن في القرن الثاني عشر ظهرت آخر إشارة معروفة عن المدينة ، وقد تكلم عنها وليم الصليبي الصوري كانها كانت خالية من السكان وقتا طويلا ، ووضع ( اثابي ) صاحب دمشق فيها حامية مؤلفة من اربعين رجلا ، فاتخذوا هيكل ارتاميس حصنا لهم ، وهدم هذا الحصن بلدوين الثاني ملك اورشليم الصليبي ( ١١١٨ ـ، ١١٣١ ) وعفى اثره بعد ذلك ، والقسم الخارجي من جدران الهيكل تظهر آثار الحريق الهائل الذي ادى الى اندثاره ، وقال ياقوت الحموي الجغرافي العربي في القرن الثالث عشر انه شاهد المدينة انقاضا متراكمة ، خالية من كل ساكن .
وبقيت جرش على هذه الصورة حتى سنة ١٨٧٨م ، حيث عمر الاتراك الى جانبها قرية للجراكسة ، والى الآن تضرب الامثال بجرش ، حتى انه اذا اراد العرب او سكان فلسطسن ان يشيروا الى موطن خرب يقولون : " كخرائب جرش " .


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( ١ ‫)‬ ذكر في الكتاب المقدس بمناسبات كثيرة ، فعبرة يعقوب مع بيته ، ونال بركة عظمى من الله بجانبه ( تك. ٣٢ : ٢٣ ـ ٣٠ ) ، وافتتح الاسرائيليون الاراضي المحيطة بقسمة الادنى . ( عد . ٢١ . ٢٤ ، وتث . ٢ : ٣٧ و ٣ : ١٦ ، ويشوع ١٢ : ٢ ، وقض ١١ : ١٣ و ٢٢ ) وهو ينبع بقرب عمان فيسير شرقا ، ثم شمالا ، ثم يتجه غربا نحو الاردن ، ويصب فيه ويسمى الآن " نهر الزرقاء " ( المعرب )

أضف رد جديد